الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل «1» منهم بثرة فيموت في سرعة، فسمّى ذلك البثر حبّة القرمطىّ، وأخرب الله تعالى أكثر تلك البلاد التى ملكها، وأفنى أهلها بموت ذريع، واعتصم ابنه بعده بالجبال والقلاع، ولم يزل بها مقيما يكاتب أهل ملّته، ويعنون كتبه، من ابن رب العزّة، ثم أهلكه الله عز «2» وجل وبقيت منهم بقيّة، فاستأمنوا إلى القاسم بن أحمد الهادى، ولم يبق للنجّار بقيّة ولا لمن كان على مذهبه.
ولنرجع إلى أخبار زكرويه بن مهرويه وخبر من أرسله إلى الشام.
ذكر ظهور القرامطة بالشام وما كان من أمرهم وحروبهم
قد قدّمنا من أخبار زكرويه بن مهرويه واختفائه وحرص أصحاب عبدان على قتله، وأنّه لما طال عليه الأمر أرسل ابنه الحسن إلى الشام وذلك في سنة ثمان وثمانين ومائتين.
قال الشريف أبو الحسين محمد بن على الحسينى «3» رحمه الله:
ولما أرسل زكرويه بن مهرويه ابنه إلى الشام أرسل معه رجلا من القرامطة من أهل نهر ملحانا، يقال له الحسن بن أحمد ويكنى بأبى الحسين، وأمره أن يقصد بنى كلب وينتسب لهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر، ويدعوهم إلى الإمام من ولده، فاستجاب له فخذ من بنى
العليص بن ضمضم بن عدى بن جناب بن كلب «1» بن وبرة ومواليهم وانضاف إليه طائفة من بنى الأصبع من «2» كلب، ويسمى هؤلاء بالفاطميين وبايعوه، وكان الخبيث لما رجع إلى الطالقان يكتب إلى زكرويه يستأذنه في القدوم عليه، فيجيب بالتوقّف، فخرج نحو العراق، فلما وصل إلى السواد وجد زكرويه مختفيا، فلم يزل حتى توصل إلى المكان الذى هو فيه، فلم يظهر له لوما على قدومه وبعث إليه بخبر من استجاب له بالشام، فقال: أنا أخرج حتى أظهر فيهم هناك، فوجّه إليه: نعم ما رأيت، فضمّ إليه ابن أخته «3» عيسى بن مهرويه، ويسمّى بالمدثّر لقبا وبعبد الله اسما، وغلاما من بنى مهرويه فتلقّب بالمطوّق وكان سيّاقا، وأنفذهم إلى الشام، وكتب إلى ابنه الحسن يعرّفه أنّه ابن الحجّة، ويأمره له بالسمع والطاعة، فسار حتى نزل في بنى كلب، فلقيه الحسن بن زكرويه وسرّ به، وجمع له الجمع وقال: هذا صاحب الإمام فامتثلوا أمره، وسرّوا به وقالوا له: مرنا بأمرك وبما أحببت، فقال لهم: استعدوا للحرب فقد أظلّكم النصر، ففعلوا ذلك، واتصلت أخبارهم بشبل الديلمى مولى المعتضد، وذلك في سنة تسع وثمانى ومائتين. فقصدهم فقتلوه وقتلوا جماعة من أصحابه، وكانت الوقعة بالرصافة من غربى الفرات، ودخلوا الرصافة وأحرقوا مسجدها ونهبوها، وأصعدوا نحو الشام، واعترضوا الناس بالقتل والتحريق ونهب القرى، إلى أن وردوا أطراف
دمشق، وكان هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون ردّ أمر دمشق إلى طغج بن جف الفرغانى، فلقيتهم عساكره فانهزمت ولم تثبت، وقتل كثير منهم وأخذوا منهم ما قدروا عليه.
قال: ولما هزم طغج نزل على دمشق وقاتل أهل البلد، وكان يحضر الحرب على ناقة ويقول لأصحابه: لا تسيروا من مصافّكم حتى تنبعث بين أيديكم، فإذا سارت فاحملوا فإنه لا تردّ لكم دابّة إذ كانت مأمورة، فسمّى بذلك صاحب الناقة، وحصر طغج بدمشق سبعة أشهر، فكتب طغج إلى مصر بخبر من قتل من أصحابه، وأنه محصور وقد فنى أكثر الناس وخرب البلد، فأنفذوا إليه بدار الكبير غلام ابن طولون- وهو المعروف بالحمّامى- فسار حتى قرب من دمشق وخرج «1» إليه طغج واجتمعوا على محاربة القرامطة، والتقوا واقتتلوا بقرب دمشق «2» ، فأصاب رئيس القرامطة- ابن القدّاح- سهم فقتله، ويقال أصابه الزراقون بمزراق فيه نفط فاحترق، وحمى أصحابه فقاتلوا عسكر بدر الحمّامى وطغج حتى انحازوا عنهم وانصرفت القرامطة وكان صاحب الناقة هذا المقتول قد ضرب دنانير ودراهم، وكتب على السكّة على أحد الوجهين: قل جاء الحق وزهق الباطل، وعلى الوجه الآخر: لا إله إلا الله، قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى.
قال: فلما انصرفت القرامطة عن دمشق بعد قتل الطاغية بايعوا:
الحسن «1» بن زكرويه بن مهرويه
فسمّى نفسه أحمد وتكنى بأبى العباس وهو صاحب الشامة.
قال ابن الأثير: ولما بايعه القرامطة دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادى وغيرهم، فاشتدت شوكته وأظهر شامة في وجهه، وزعم أنها آيته «2» .
قال الشريف أبو الحسين وسياقه أتمّ: ولما بايعوه ثار حتى افتتح عدّة مدن من الشام، وظهر على جند حمص، وقتل خلقا كثيرا من جند المصريين «3» ، وتسمّى بأمير المؤمنين على المنابر وفي كتبه، وذلك في سنة تسع وثمانين ومائتين وبعض سنة تسعين ومائتين، ثم سار بمن معه إلى نحو الرقّة، فخرج إليهم مولى الخليفة المكتفى بالله وكان عليها، فواقعهم فهزموه، وقتلوه واستباحوا عسكره ورجعوا يريدون دمشق، وجعلوا ينهبون جميع ما يمرّون به من القرى، ويقتلون ويسبون ويخربون، فلما قربوا من دمشق أخرج إليهم طغج جيشا كثيفا أمّر عليه غلامه بشيرا، فهزم القرامطة الجيش وقتل بشير في خلق من أصحابه، فلما اتصل بالمكتفى قتل غلامه الذى كان على الرقّة وخبر قتل بشير ندب أبا الأعزّ السّلمى، وضمّ إليه عشرة آلاف من الجند والموالى والأعراب، وخلع عليه لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسعين ومائتين وأنفذه، فسار حتى نزل حلب ثم خرج فنزل وادى بطنان، فتفرّق الناس ودخل قوم منهم الماء يتبرّدون فيه وذلك في القيظ، ووافاهم القرامطة يقدمهم المطوّق،
فكان كل إنسان يحذر على نفسه وينجو بها، وركب أبو الأعزّ فرسه وصاح بالناس، فسار إليه جماعة لقى بها أوائل القوم، فلم يلبث إلا اليسير حتى انهزم، وركبت القرامطة أكتاف الناس يقتلون وينهبون حتى حجز الليل بينهم، وقد أتوا على عامّة العسكر وسلم منهم قليل.
ولحق أبو الأعزّ في جميعيّة معه بحلب، ثم تلاحق به قوم حتى حصل فى نحو ألف رجل، ووافت القرامطة فنازلوا أهل حلب فحاربهم أبو الأعزّ، فلم يقدروا منه على شىء فانصرفوا، وجمع الحسين بن زكرويه أصحابه، وكان قد اتّصل به خلق كثير من اللصوص ومن بنى كلب، فسار حتى نزل أطراف حمص فخطب له على منابرها.
ثم نهض إليها فأعطاه أهلها الطاعة، وفتحوا له البلد فدخلها، ثم سار إلى حماة ومعرّة النّعمان وغيرهما فقتل الرجال والنساء والأطفال، ثم رجع إلى بعلبك فقتل عامّة أهلها، ثم صار إلى سلمية فحاربه أهلها وامتنعو منه، فأعطاهم الأمان ففتحوا له «1» ، فبدأ بمن كان فيها من بنى هاشم.
وكان بها جماعة كثيرة، فقتلهم أجمعين، ثم كرّ على أهلها فأفناهم أجمعين وخرّ بها، وخرج عنها وما بها عين تطرف، وكان مع ذلك لا يمرّ بقرية فيدع فيها أحدا، حتى أخرب البلاد وسبى الذرارى وقتل الأنفس من المسلمين وغيرهم، ولم يقم له أحد.
قال الشريف: ووردت كتب التجّار وسائر الناس من دمشق وغيرها بصورة الأمر وغلظه، وأن طغج قد فنيت رجاله وبقى في عدّة يسيرة، وأنّ القرامطة تقصد دمشق في أوقات فلا يقاتلهم إلا العامّة