المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي الحمد لله الذي شرح صدر - الروض المربع شرح زاد المستقنع - ط المؤيد والرسالة

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[أنواع المياه]

- ‌[باب الآنية]

- ‌[باب الاستنجاء]

- ‌[باب السواك وسنن الوضوء]

- ‌[باب فروض الوضوء وصفته]

- ‌[باب مسح الخفين]

- ‌[باب نواقض الوضوء]

- ‌[باب الغسل]

- ‌[باب التيمم]

- ‌[باب إزالة النجاسة الحكمية]

- ‌[باب الحيض]

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[باب الأذان]

- ‌[باب شروط الصلاة]

- ‌[باب صفة الصلاة]

- ‌[فصل مكروهات الصلاة]

- ‌[فصل أركان الصلاة وواجباتها]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[فصل في الكلام على السجود لنقص]

- ‌[باب صلاة التطوع وأوقات النهي]

- ‌[فصل في صلاة الليل]

- ‌[باب صلاة الجماعة]

- ‌[فصل في أحكام الإمامة]

- ‌[فصل موقف الإمام والمأمومين]

- ‌[فصل في أحكام الاقتداء]

- ‌[فصل الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة]

- ‌[باب صلاة أهل الأعذار]

- ‌[فصل في قصر المسافر الصلاة]

- ‌[فصل في الجمع]

- ‌[فصل في صلاة الخوف]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[فصل في صحة صلاة الجمعة]

- ‌[فصل صلاة الجمعة ركعتان]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[باب صلاة الكسوف]

- ‌[باب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[فصل في غسل الميت وتكفينه]

- ‌[فصل في الكفن]

- ‌[فصل في الصلاة على الميت]

- ‌[فصل في حمل الميت ودفنه]

- ‌[فصل في زيارة القبور]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[باب زكاة بهيمة الأنعام]

- ‌[فصل في زكاة البقر]

- ‌[فصل في زكاة الغنم]

- ‌[باب زكاة الحبوب والثمار]

- ‌[فصل في العشر فيما سقي بلا مؤنة]

- ‌[باب زكاة النقدين]

- ‌[باب زكاة العروض]

- ‌[باب زكاة الفطر]

- ‌[فصل في مقدار زكاة الفطر]

- ‌[باب إخراج الزكاة]

- ‌[باب أهل الزكاة]

- ‌[فصل لا تدفع الزكاة لهاشمي]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة]

- ‌[فصل في الجماع في النهار]

- ‌[باب ما يكره وما يستحب في الصوم وحكم القضاء]

- ‌[باب صوم التطوع]

- ‌[باب الاعتكاف]

- ‌[كتاب المناسك]

- ‌[باب المواقيت]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌[باب محظورات الإحرام]

- ‌[باب الفدية]

- ‌[فصل من كرر محظورا من جنس واحد في الإحرام]

- ‌[باب جزاء الصيد]

- ‌[باب حكم صيد الحرم]

- ‌[باب ذكر دخول مكة وما يتعلق به]

- ‌[فصل بعد الصلاة في المقام يعود ويستلم الحجر]

- ‌[باب صفة الحج والعمرة]

- ‌[فصل طواف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة]

- ‌[باب الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي والأضحية والعقيقة]

- ‌[فصل يتعين الهدي والأضحية بقوله هذا هدي أو أضحية]

- ‌[فصل تسن العقيقة عن المولود]

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[فصل فيمن يصح منه الأمان]

- ‌[باب عقد الذمة]

- ‌[فصل في أحكام أهل الذمة]

- ‌[فصل فيما ينقض العهد]

- ‌[كتاب البيع]

- ‌[فصل لا يصح البيع ولا الشراء بعد النداء الثاني]

- ‌[باب الشروط في البيع]

- ‌[باب الخيار وقبض المبيع والإقالة]

- ‌[فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه]

- ‌[باب الربا والصرف]

- ‌[فصل يحرم ربا النسيئة]

- ‌[فصل في افتراق المتصارفين بأبدانهما قبل قبض الكل]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[فصل من باع أو وهب أو رهن نخلا تشقق طلعه]

- ‌[باب السلم]

- ‌[باب القرض]

- ‌[باب الرهن]

- ‌[فصل يكون الرهن عند من اتفقا عليه]

- ‌[فصل انتفاع المرتهن بالعين المرهونة]

- ‌[باب الضمان]

- ‌[فصل في الكفالة]

- ‌[باب الحوالة]

- ‌[باب الصلح]

- ‌[فصل في الصلح على الإنكار]

- ‌[باب الحجر]

- ‌[فصل في المحجور عليه لحظه]

- ‌[باب الوكالة]

- ‌[فصل إن اشترى الوكيل ما يعلم عيبه]

- ‌[فصل الوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط]

- ‌[باب الشركة وأنواع شركة العقود]

- ‌[فصل في المضاربة]

- ‌[فصل في شركة الوجوه]

- ‌[باب المساقاة]

- ‌[فصل في المزارعة]

- ‌[باب الإجارة]

- ‌[فصل ما يشترط في العين المؤجرة]

- ‌[فصل الإجارة عقد لازم من الطرفين]

- ‌[باب السبق]

- ‌[باب العارية]

- ‌[باب الغصب]

- ‌[فصل خلط المغصوب بغيره]

- ‌[فصل في تصرفات الغاصب الحكمية]

- ‌[باب الشفعة]

- ‌[فصل التصرف في الشقص المشفوع بالوقف والهبة ونحوه]

- ‌[باب الوديعة]

- ‌[فصل قبول قول المودع في رد الوديعة لربها]

- ‌[باب إحياء الموات]

- ‌[باب الجعالة]

- ‌[باب اللقطة]

- ‌[باب اللقيط]

- ‌[كتاب الوقف]

- ‌[فصل وجوب العمل بشرط الواقف]

- ‌[فصل الوقف عقد لازم بمجرد القول]

- ‌[باب الهبة والعطية]

- ‌[فصل التعديل في العطية]

- ‌[فصل في تصرفات المريض]

- ‌[كتاب الوصايا]

- ‌[باب الموصى له]

- ‌[باب الموصى به]

- ‌[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]

- ‌[باب الموصى إليه]

- ‌[كتاب الفرائض]

- ‌[فصل أحوال الجد لأب مع الأبناء]

- ‌[فصل في أحوال الأم في الميراث]

- ‌[فصل في ميراث الجدة]

- ‌[فصل في ميراث البنات وبنات الابن والأخوات]

- ‌[فصل في الحجب]

- ‌[باب العصبات]

- ‌[فصل يرث الابن مع البنت مثليها]

- ‌[باب أصول المسائل والعول والرد]

- ‌[باب التصحيح والمناسخات وقسمة التركات]

- ‌[فصل في المناسخات]

- ‌[فصل في قسمة التركات]

- ‌[باب ذوي الأرحام]

- ‌[باب ميراث الحمل]

- ‌[باب ميراث المفقود]

- ‌[باب ميراث الغرقى]

- ‌[باب ميراث أهل الملل]

- ‌[باب ميراث المطلقة]

- ‌[باب الإقرار بمشارك في الميراث]

- ‌[باب ميراث القاتل والمبعض والولاء]

- ‌[كتاب العتق]

- ‌[باب الكتابة]

- ‌[باب أحكام أمهات الأولاد]

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[فصل في أركان النكاح]

- ‌[فصل في شروط النكاح]

- ‌[فصل الرضا من شروط النكاح]

- ‌[فصل الولي في النكاح]

- ‌[فصل الشهادة من شروط النكاح]

- ‌[باب المحرمات في النكاح]

- ‌[فصل في الضرب الثاني من المحرمات من النساء]

- ‌[باب الشروط في النكاح والعيوب فيه]

- ‌[فصل فيمن شرط أن لا مهر لها ولا نفقة]

- ‌[فصل في العيوب في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[فصل إذا أسلم الزوجان أو أحدهما]

- ‌[باب الصداق]

- ‌[فصل إن أصدقها ألفا إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا]

- ‌[فصل تملك المرأة جميع الصداق بالعقد]

- ‌[فصل في حكم تفويض البضع]

- ‌[باب وليمة العرس]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[فصل يلزم الزوج المبيت عند الحرة ليلة من أربع]

- ‌[فصل في القسم بين الزوجات]

- ‌[فصل في النشوز]

- ‌[باب الخلع]

- ‌[فصل الخلع بلفظ صريح الطلاق وكنايته]

- ‌[فصل إذا قال لزوجته متى أو إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[فصل في طلاق السنة]

- ‌[فصل في كنايات الطلاق]

- ‌[فصل لو قال لزوجته أنت علي حرام أو كظهر أمي]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[فصل في الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب حكم إيقاع الطلاق]

- ‌[فصل لو علق طلاقها بمستحيل]

- ‌[باب تعليق الطلاق بالشروط]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالحيض]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالحمل]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالولادة]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالطلاق]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالحلف]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالكلام]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالإذن]

- ‌[فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة]

- ‌[فصل في مسائل متفرقة]

- ‌[باب التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌[فصل ادعاء المطلقة انقضاء عدتها]

- ‌[فصل إذا استوفى ما يملك من الطلاق]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[فصل يصح الظهار معجلا ومعلقا]

- ‌[فصل في كفارة الظهار]

- ‌[فصل في التتابع في صوم كفارة الظهار]

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌[فصل في قذف الزوجة الصغيرة أو المجنونة بالزنا]

- ‌[فصل فيما يلحق من النسب]

- ‌[كتاب العدد]

- ‌[فصل المعتدات ستة أصناف]

- ‌[فصل في الثانية من المعتدات]

- ‌[عدة من مات زوجها الغائب]

- ‌[فصل يحرم إحداد فوق ثلاث على ميت غير زوج]

- ‌[فصل المكان الذي تقضي فيه الزوجة عدة الوفاة]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[كتاب النفقات]

- ‌[فصل نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها]

- ‌[ما تجب به نفقة الزوجة]

- ‌[باب نفقة الأقارب والمماليك من الآدميين والبهائم]

- ‌[فصل في نفقة الرقيق]

- ‌[فصل في نفقة البهائم]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[فصل في تخيير الولد بين أبويه إذا بلغ سبع سنين]

- ‌[كتاب الجنايات]

- ‌[فصل في قتل الجماعة بالواحد]

- ‌[باب شروط وجوب القصاص]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[فصل لا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

- ‌[باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس]

- ‌[فصل النوع الثاني من نوعي القصاص فيما دون النفس]

- ‌[كتاب الديات]

- ‌[فصل من أدب زوجته أو ولده فقتله هل عليه قصاص]

- ‌[باب مقادير ديات النفس]

- ‌[باب ديات الأعضاء ومنافعها]

- ‌[فصل في دية المنافع]

- ‌[باب الشجاج وكسر العظام]

- ‌[باب العاقلة وما تحمله]

- ‌[فصل في كفارة القتل]

- ‌[باب القسامة]

- ‌[كتاب الحدود]

- ‌[باب حد الزنا]

- ‌[باب حد القذف]

- ‌[باب حد المسكر]

- ‌[باب التعزير]

- ‌[باب القطع في السرقة]

- ‌[باب حد قطاع الطريق]

- ‌[باب قتال أهل البغي]

- ‌[باب حكم المرتد]

- ‌[فصل فيمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار]

- ‌[كتاب الأطعمة]

- ‌[فصل ما يحل من الأطعمة الحيوانات وغيرها]

- ‌[باب الذكاة]

- ‌[باب الصيد]

- ‌[كتاب الأيمان]

- ‌[فصل في كفارة اليمين]

- ‌[فصل الرجوع في اليمين إلى ما يتناوله الاسم عند عدم النية]

- ‌[فصل من فعل المحلوف عليه مكرها]

- ‌[باب النذر]

- ‌[كتاب القضاء]

- ‌[باب آداب القاضي]

- ‌[باب طريق الحكم وصفته]

- ‌[فصل لا تصح الدعوى إلا محررة]

- ‌[باب كتاب القاضي إلى القاضي]

- ‌[باب القسمة]

- ‌[باب الدعاوى والبينات]

- ‌[كتاب الشهادات]

- ‌[فصل في شروط من تقبل شهادته]

- ‌[باب موانع الشهادة وعدد الشهود]

- ‌[فصل في عدد الشهود]

- ‌[فصل في الشهادة على الشهادة]

- ‌[باب اليمين في الدعاوى]

- ‌[كتاب الإقرار]

- ‌[فصل فيمن وصل بإقراره ما يسقطه]

- ‌[فصل في الإقرار بالمجمل]

الفصل: ‌ ‌[مقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي الحمد لله الذي شرح صدر

[مقدمة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي

الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام، وفقه في الدين من أراد به خيرا وفهمه فيما أحكمه من الأحكام، أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس. وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأشكره، وشكر المنعم واجب على الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله المبعوث لبيان الحلال والحرام، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - وأصحابه وتابعيهم الكرام.

أما بعد: فهذا شرح لطيف على " مختصر المقنع للشيخ الإمام العلامة والعمدة القدوة الفهامة، هو شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم المقدسي الحجاوي ثم الصالحي الدمشقي، تغمده الله برحمته، وأباحه بحبوحة جنته. يبين حقائقه، ويوضح معانيه ودقائقه. مع ضم قيود يتعين التنبيه عليها، وفوائد يحتاج إليها. مع العجز وعدم الأهلية لسلوك تلك المسالك، لكن ضرورة كونه لم يشرح اقتضت ذلك. والله المسئول بفضله أن ينفع به كما نفع بأصله، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وزلفى لدينه في جنات النعيم المقيم.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أي ابتداء بكل اسم للذات الأقدس، المسمى بهذا الاسم الأنفس، الموصوف بكمال الأنعام وما دونه، أو بإرادة ذلك، أؤلف مستعينا أو ملابسا على وجه التبرك.

ص: 1

وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين للمبالغة في الرحمة إشارة لسبقها من حيث ملاصقتها لاسم الذات وغلبتها من حيث تكرارها على أضدادها وعدم انقطاعها. وقدم الرحمن لأنه علم في قول أو كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى؛ لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها، وذلك لا يصدق على غيره.

وابتدأ بها تأسيا بالكتاب العزيز وعملا بحديث «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» أي ناقص البركة، وفي

رواية " بالحمد لله " فلذلك جمع بينهما فقال: (الحمد لله) أي جنس الوصف بالجميل أو كل فرد منه مملوك أو مستحق للمعبود بالحق المتصف بكل كمال على الكمال.

والحمد: هو الثناء بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. وفي الاصطلاح: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره.

والشكر لغة: هو الحمد، واصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله. قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] . وآثر لفظ الجلالة دون باقي الأسماء كالرحمن والخالق إشارة إلى أنه كما يحمد لصفاته يحمد لذاته؛ ولئلا يتوهم اختصاص استحقاقه الحمد بذلك الوصف دون غيره. (حمدا) مفعول مطلق مبين لنوع الحمد لوصفه بقوله: (لا ينفد) بالدال المهملة وفتح الفاء ماضي " نفد " بكسرها أي لا يفرغ (أفضل ما ينبغي) أي يطلب (أن يحمد) أي يثنى عليه ويوصف، و " أفضل " منصوب على أنه بدل من حمدا أو صفته أو حال منه، و " ما " موصول اسمي أو نكرة موصوفه، أي أفضل الحمد الذي ينبغي، أو أفضل حمد ينبغي حمده به.

(وصلى الله) قال الأزهري معنى الصلاة من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة

ص: 2

الاستغفار، ومن الآدميين التضرع والدعاء. (وسلم) من السلام بمعنى التحية أو السلامة من النقائص والرذائل أو الأمان. والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مستحبة تتأكد يوم الجمعة وليلتها، وكذا كلما ذكر اسمه. وقيل بوجوبها إذ قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وروي:«من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» وأتى بالحمد بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام لثبوت مالكية الحمد أو استحقاقه له أزلا وأبدا، وبالصلاة بالفعلية الدالة على التجدد أي الحدوث لحدوث المسئول وهو الصلاة أي الرحمة من الله (على أفضل المصطفين محمد) بلا شك لقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وخص ببعثه إلى الناس كافة وبالشفاعة والأنبياء تحت لوائه. والمصطفون جمع مصطفى وهو المختار من الصفوة،

وطاؤه منقلبة عن تاء، ومحمد من أسمائه صلى الله عليه وسلم، سمي به لكثرة خصاله الحميدة، سمي به قبله سبعة عشر شخصا على ما قاله ابن الهائم عن بعض الحفاظ بخلاف أحمد فإنه لم يسم به قبله.

(وعلى آله) أي أتباعه على دينه نص عليه أحمد وعليه أكثر الأصحاب، ذكره في " شرح التحرير "، وقدمهم بالأمر بالصلاة عليهم، وإضافته إلى الضمير جائزة عند الأكثر وعمل أكثر المصنفين عليه، ومنعه جمع منهم الكسائي والنحاس والزبيدي. (وأصحابه) جمع صحب جمع صاحب بمعنى الصحابي وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على ذلك. وعطفهم على الآل من عطف الخاص على العام، وفي الجمع بين الصحب والآل مخالفة للمبتدعة؛ لأنهم يوالون الآل دون الصحب.

ص: 3

(ومن تعبد) أي عبد الله تعالى. والعبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.

(أما بعد) أي بعد ما ذكر من حمد الله والصلاة والسلام على رسوله. وهذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى غيره، ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء به صلى الله عليه وسلم فإنه كان يأتي بها في خطبه ومكاتباته حتى رواه الحافظ عبد القاهر الرهاوي في الأربعين التي له عن أربعين صحابيا، ذكره ابن قندس في " حواشي المحرر " وقيل: إنها فصل الخطاب المشار إليه في الآية. والصحيح أنه الفصل بين الحق والباطل. والمعروف بناء " بعد " على الضم وأجاز بعضهم تنوينها مرفوعة ومنصوبة والفتح بلا تنوين على تقدير المضاف إليه.

(فهذا) إشارة إلى ما تصوره في الذهن، وأقامه مقام المكتوب المقروء الموجود بالعيان (مختصر) أي موجز، وهو ما قل لفظه وكثرت معناه، قال علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل. (في الفقه) وهو لغة الفهم، واصطلاحا: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة. (من مقنع) أي من الكتاب المسمى بالمقنع تأليف (الإمام) المقتدى به شيخ المذهب (الموفق أبي محمد) عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي تغمده الله برحمته وأعاد علينا من بركته (على قول واحد) وكذلك صنعت في شرحه فلم أتعرض للخلاف طلبا للاختصار. (وهو) أي ذلك القول الواحد الذي يذكره ويحذف ما سواه من الأقوال إن كانت، هو القول (الراجح) أي المعتمد

(في مذهب) إمام الأئمة وناصر السنة أبي عبد الله (أحمد) بن محمد بن حنبل الشيباني نسبة لجده شيبان بن ذهل بن ثعلبة.

ص: 4

والمذهب في الأصل أي في اللغة: الذهاب أو زمانه أو مكانه، ثم أطلق على ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلا به، وكذا ما أجري مجرى قوله من فعل أو إيماء أو نحوه.

(وربما حذفت منه مسائل) جمع مسألة من السؤال وهي ما يبرهن عنه في العلم (نادرة) أي قليله (الوقوع) لعدم شدة الحاجة إليها (وزدت) على ما قال في " المقنع " من الفوائد (ما على مثله يعتمد) أي يعول عليه لموافقته الصحيح. (إذ الهمم قد قصرت) تعليل لاختصاره " المقنع ". والهمم جمع همة بفتح الهاء وكسرها يقال: هممت بالشيء: إذا أردته. (والأسباب) جمع سبب وهو ما يتصل به إلى المقصود (المثبطة) أي الشاغلة (عن نيل) أي إدراك (المراد) أي المقصود (قد كثرت) لسبق القضاء بأنه «لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» . (و) هذا المختصر (مع صغر حجمه حوى) أي جمع (ما يغني عن التطويل) لاشتماله على جل المهمات التي يكثر وقوعها ولو بمفهومه (ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول من حال إلى حال، ولا قدرة على ذلك إلا بالله وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله. والمعنى الأول أجمع وأشمل. (وهو حسبنا) أي كافينا (ونعم الوكيل) جل جلاله أي المفوض إليه تدبير خلقه والقائم بمصالحهم أو الحافظ. ونعم الوكيل إما معطوف على الأول " وهو حسبنا " والمخصوص محذوف أو على "حسبنا " والمخصوص هو الضمير المتقدم.

* * *

ص: 5