الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في غسل الميت وتكفينه]
فصل (غسل الميت) المسلم (وتكفينه) فرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه» متفق عليه عن ابن عباس، (والصلاة عليه) فرض كفاية لقوله صلى الله عليه وسلم:«صلوا على من قال: لا إله إلا الله» رواه الخلال والدارقطني وضعفه ابن الجوزي، (ودفنه فرض كفاية) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] قال ابن عباس: معناه: أكرمه بدفنه، وحمله أيضا فرض كفاية واتباعه سنة. وكره الإمام للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجا فيعطى من بيت المال، فإن تعذر أعطي بقدر عمله، قاله في " المبدع ". والأفضل أن يختار لتغسيله ثقة عارف بأحكامه (وأولى الناس بغسله وصيه) العدل لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين (ثم أبوه) لاختصاصه بالحنو والشفقة (ثم جده) وإن علا لمشاركته الأب في المعنى (ثم الأقرب فالأقرب من عصباته) فيقدم الابن ثم ابنه وإن نزل، ثم الأخ لأبوين ثم الأخ للأب على ترتيب الميراث (ثم ذوو أرحامه) كالميراث ثم الأجانب. وأجنبي أولى من زوجة
وأمة، وأجنبية أولى من زوج وسيد، وزوج أولى من سيد، وزوجة أولى من أم ولد (و) الأولى بغسل (أنثى وصيتها) العدل (ثم القربى فالقربى من نسائها) فتقدم أمها وإن علت ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى كالميراث وعمتها وخالتها سواء، وكذا بنت أخيها وبنت أختها لاستوائهما في القرب والمحرمية،
(ولكل واحد من الزوجين) إن لم تكن ذمية (غسل صاحبه) لما تقدم عن أبي بكر، وروى ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة؛ ولأن آثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية، فكذا الغسل ويشمل ما قبل الدخول، وإنها تغسله وإن لم تكن في عدة كما لو ولدت عقب موته، والمطلقة الرجعية إذا أبيحت له (وكذا سيد مع سريته) أي أمته المباحة له ولو أم ولد، (ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين فقط) ذكرا أو أنثى لأنه لا عورة له، ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء، فتغسله مجردا بغير سترة، وتمس عورته وتنظر إليها، (وإن مات رجل بين نسوة) ليس فيهن زوجة ولا أمة مباحة له يمم، (أو عكسه) بأن ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج ولا سيد لها (يمم كخنثى مشكل) لم تحضره أمة له فييمم، لأنه لا يحصل بالغسل من غير مس تنظيف، ولا إزالة نجاسة بل ربما كثرت، وعلم منه أنه لا مدخل للرجال في غسل الأقارب من النساء ولا بالعكس.
(ويحرم أن يغسل مسلم كافرا) أو أن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته كالصلاة عليه لقول تعالى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13](أو يدفنه) للآية (بل يواريه) وجوبا (لعدم من يواريه) لإلقاء قتلى بدر في القليب، ويشترط لغسله طهورية ماء وإباحته وإسلام غاسل إلا نائبا عن مسلم نواه وعقله ولو مميزا أو حائضا أو جنبا.
(وإذا أخذ) أي شرع (في غسله ستر عورته) وجوبا، وهي ما بين سرته وركبته (وجرده) ندبا لأنه أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره، وغسل صلى الله عليه وسلم في قميص؛ لأن فضلاته طاهرة فلم يخش تنجيس قميصه، (وستره عن العيون) تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن؛ لأنه أستر له، (ويكره لغير معين في غسله حضوره) لأنه ربما كان في الميت ما لا يجب اطلاع أحد
عليه والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين، (ثم يرفع رأسه) أي رأس الميت غير أنثى حامل (إلى قرب جلوسه) بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره، (ويعصر بطنه برفق) ليخرج ما هو مستعد للخروج ويكون هناك بخور، (ويكثر صب الماء حينئذ) ليدفع ما يخرج بالعصر، (ثم يلف) الغاسل (على يده خرقة فينجيه) أي يمسح فرجه بها،
(ولا يحل مس عورة من له سبع سنين) بغير حائل كحال الحياة؛ لأن التطهير يمكن بدون ذلك. (ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة) لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ يعد الغاسل خرقتين إحداهما للسبيلين، والأخرى لبقية بدنه، (ثم يوضئه ندبا) كوضوئه للصلاة لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته:«ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» رواه الجماعة، وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في " المنتهى " وغيره، (ولا يدخل الماء في فمه ولا في أنفه) خشية تحريك النجاسة، (ويدخل أصبعيه) إبهامه وسبابته (مبلولتين) أي عليهما خرقة مبلولة (بالماء بين شفتيه فيسمح أسنانه وفي منخريه فينظفهما) بعد غسل كفي الميت فيقوم المسح فيهما مقام غسلهما خوف تحريك النجاسة بدخول الماء جوفه، (ولا يدخلهما) أي الفم والأنف (الماء) لما تقدم، (ثم ينوي غسله) لأنه طهارة تعبدية فاشترطت لها النية كغسل الجنابة، (ويسمي) وجوبا لما تقدم، (ويغسل برغوة السدر) المضروب (رأسه ولحيته فقط) لأن الرأس أشرف الأعضاء والرغوة لا تتعلق بالشعر، (ثم يغسل شقه الأيمن ثم) شقه (الأيسر) للحديث السابق (ثم) يغسله (كله) يفيض الماء على جميع بدنه يفعل ما تقدم (ثلاثا) إلا الوضوء، ففي المرة الأولى فقط (يمر في كل مرة) من الثلاث (يده على بطنه) ليخرج ما تخلف، (فإن لم ينق بثلاث غسلات زيد حتى ينقي ولو جاوز السبع)
وكره اقتصاره في غسله على مرة إن لم يخرج منه شيء، فيحرم الاقتصار ما دام يخرج شيء على ما دون السبع، وسن قطع على وتر ولا تجب مباشرة الغسل. فلو ترك تحت ميزاب ونحوه وحضر من يصلح لغسله ونوى وسمى وعمه الماء كفى.
(ويجعل في الغسلة الأخيرة) ندبا (كافورا) وسدرا لأنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام برائحة، (والماء الحار) يستعمل إذا احتيج إليه (والأشنان) يستعمل إذا احتيج إليه (والخلال يستعمل إذا احتيج إليه) فإن لم يحتج إليها كرهت، (ويقص شاربه ويقلم أظفاره) ندبا إن طالا ويؤخذ شعر إبطيه ويجعل المأخوذ معه كعضو ساقط، وحرم حلق رأسه وأخذ عانة كختن، (ولا يسرح شعره) أي يكره ذلك لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه. (ثم ينشف) ندبا (بثوب) كما فعل به صلى الله عليه وسلم. (ويضفر) ندبا (شعر المرأة) أي الأنثى (ثلاثة قرون ويسدل وراءها) لقول أم عطية:«فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها» ، رواه البخاري. (وإن خرج منه) أي الميت (شيء بعد سبع) غسلات (حشي) المحل (بقطن) ليمنع الخارج كالمستحاضة،
(فإن لم يستمسك) بالقطن (فبطين حر) أي خالص لأن فيه قوة تمنع الخارج. (ثم يغسل المحل) المتنجس بالخارج (ويوضأ) الميت وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد الغسل، (وإن خرج) منه شيء (بعد تكفينه لم يعد الغسل) دفعا للمشقة، ولا بأس بقول غاسل له: انقلب يرحمك الله ونحوه. ولا يغسله في حمام.
(ومحرم) بحج أو عمرة (ميت كحي يغسل بماء وسدر) لا كافور (ولا يقرب طيبا) مطلقا (ولا يلبس ذكر مخيطا) من قميص ونحوه (ولا يغطى رأسه ولا وجه أنثى) محرمة ولا يؤخذ شيء من شعرهما وظفرهما لما في " الصحيحين " من حديث ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» ولا تمنع معتدة من طيب، وتزال اللصوق لغسل واجب إن لم يسقط من جسده شيء بإزالتها فيمسح عليها كجبيرة الحي ويزال خاتم ونحوه ولو ببرده.
(ولا يغسل شهيد معركة) ومقتول ظلما ولو أنثيين أو غير مكلفين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد أمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم، وروى أبو داود عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» وصححه الترمذي. (إلا أن يكون) الشهيد أو المقتول ظلما (جنبا) أو وجب عليهما الغسل لحيض أو نفاس أو إسلام، (ويدفن) وجوبا (بدمه) إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلا و (في ثيابه) التي قتل فيها (بعد نزع السلاح والجلود عنه) لما روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم» .