الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب البيع]
جائز بالإجماع لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
(وهو) في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء قاله ابن هبيرة، مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء.
وشرعا: (مبادلة مال ولو في الذمة) بقول أو معاطاة.
والمال عين مباحة النفع بلا حاجة (أو منفعة مباحة) مطلقا (كممر) في دار أو غيرها (بمثل أحدهما) متعلق بمبادلة أي بمال أو منفعة مباحة فتناول تسع صور: عين بعين أو دين، أو منفعة دين بعين، أو دين بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق، أو بمنفعة منفعة بعين، أو دين أو منفعة.
وقوله: (على التأبيد) يخرج الإجارة (غير ربا وقرض) فلا يسميان بيعا وإن وجدت فيهما المبادلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، والمقصود الأعظم في القرض الإرفاق وإن قصد فيه التملك أيضا.
وينعقد) البيع بإيجاب وقبول) بفتح القاف، وحكي ضمها (بعده) أي بعد الإيجاب فيقول البائع: بعتك أو ملكتك أو نحوه بكذا، ويقول المشتري: ابتعت أو قبلت ونحوه، (و) يصح القبول أيضا (قبله) أي قبل الإيجاب بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه؛ لأن المعنى حاصل به، ويصح القبول متراخيا عنه) أي عن الإيجاب ما داما (في مجلسه) لأن حالة المجلس كحالة العقد (فإن تشاغلا بما يقطعه) عرفا أو انقضى المجلس قبل القبول (بطل) لأنهما
صارا معرضين عن البيع، وإن خالف القبول الإيجاب لم ينعقد.
(وهي) أي الصورة المذكورة أي الإيجاب والقبول (الصيغة القولية) للبيع، (و) ينعقد أيضا بمعاطاة وهي) الصيغة (الفعلية) مثل أن يقول: أعطني بدرهم خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع: خذ هذا بدرهم فيأخذه المشتري أو وضع ثمنه عادة وأخذه عقبه، فتقوم المعاطاة مقام الإيجاب والقبول للدلالة على الرضا لعدم التعبد فيه، وكذا حكم الهبة والهدية والصدقة، ولا بأس بذوق المبيع حال الشراء.
(ويشترط) للبيع سبعة شروط:
أحدها: التراضي منهما) أي من المتعاقدين (فلا يصح) البيع (من مكره بلا حق) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما البيع عن تراض» رواه ابن حبان، فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح لأنه حمل عليه بحق، وإن أكره على وزن مال فباع ملكه كره الشراء منه وصح.
و) الشرط الثاني أن يكون العاقد) وهو البائع والمشتري جائز التصرف) أي حرا مكلفا رشيدا (فلا يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي) فإن أذن صح لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أي اختبروهم، وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليه، ويحرم الإذن بلا مصلحة، وينفذ تصرفهما في الشيء اليسير بلا إذن وتصرف العبد بإذن سيده.
و) الشرط الثالث أن تكون العين) المعقود عليها أو على منفعتها مباحة النفع من غير حاجة) بخلاف الكلب لأنه إنما يقتنى لصيد أو حرث أو ماشية، وبخلاف جلد
ميتة ولو مدبوغا لأنه إنما يباح في يابس، والعين هنا مقابل المنفعة فتتناول ما في الذمة (كالبغل والحمار) ؛ لأن الناس يتبايعون ذلك في كل عصر من غير نكير، (و) كـ (دود القز) لأنه حيوان طاهر يقتنى لما يخرج منه، (و) كـ (بزره) لأنه ينتفع به في المآل، (و) كـ (الفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد) كالفهد والصقر لأنه يباح نفعها واقتناؤها مطلقا (إلا الكلب) فلا يصح بيعه لقول ابن مسعود:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب» متفق عليه، ولا بيع آلة لهو وخمر ولو كانا ذميين، (والحشرات) لا يصح بيعها؛ لأنه لا نفع فيها إلا علقا لمص الدم وديدانا لصيد السمك وما يصاد عليه كبومة شباشا، (والمصحف) لا يصح بيعه، ذكر في " المبدع " أن الأشهر لا يجوز بيعه، قال أحمد:" لا نعلم في بيع المصحف رخصة "، قال ابن عمر:" وددت أن الأيدي تقطع في بيعها " ولأن تعظيمه واجب، وفي بيعه ابتذال له، ولا يكره إبداله وشراؤه استنقاذا، وفي كلام بعضهم يعني من
كافر، ومقتضاه أنه إن كان البائع مسلما حرم الشراء منه لعدم دعاء الحاجة إليه بخلاف الكافر، ومفهوم " التنقيح " و " المنتهى " يصح بيعه لمسلم.
(والميتة) لا يصح بيعها لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم بيع الميتة والخمر
والأصنام» متفق عليه، ويستثنى منها السمك والجراد (و) لا (السرجين النجس) لأنه كالميتة، وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه، قاله في " المبدع " (و) لا (الأدهان النجسة ولا المتنجسة) لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» وللأمر بإراقته.
(ويجوز الاستصباح بها) أي بالمتنجسة على وجه لا تتعدى نجاسته كالانتفاع بجلد الميتة المدبوغ (في غير مسجد) لأنه يؤدي إلى تنجيسه، ولا يجوز الاستصباح بنجس العين، ولا يجوز بيع سم قاتل.
(و) الشرط الرابع (أن يكون) العقد من مالك) للمعقود عليه أو من يقوم مقامه) كالوكيل والوالي لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، وخص منه المأذون فيه لقيامه مقام المالك، (فإن باع ملك غيره) بغير إذنه لم يصح ولو مع حضوره وسكوته ولو أجازه المالك ما لم يحكم به من يراه (أو اشترى بعين ماله) أي مال غيره (بلا إذنه لم يصح) ولو أجيز لفوات شرطه، (وإن اشترى له) أي لغيره (في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد صح) العقد لأنه
متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف، ويصير ملكا لمن الشراء (له) من حين العقد (بالإجازة) لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه منزلة الوكيل فملكه من اشترى له كما لو أذن، (ولزم) العقد (المشتري بعدمها) أي عدم الإجازة، لأنه لم يأذن فيه، فتعين كونه للمشتري (ملكا) كما لو لم ينوه غيره، وإن سمى في العقد من اشترى له لم يصح.
وإن باع ما يظنه لغيره فبان وارثا أو وكيلا صح. (ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض الشام ومصر والعراق) وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين، وأما المساكن فيصح بيعها؛ لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير ولو كانت آلتها من أرض العنوة أو كانت موجودة حال الفتح، وكأرض العنوة في ذلك ما جلوا عنه فزعا منا وما صولحوا على أنه لنا ونقره معهم
بالخراج بخلاف ما صولحوا على أنها لهم كالحيرة وأليس وبانقياء وأرض بني صلوبا من أراضي العراق فيصح بيعها كالتي أسلم أهلها عليها كالمدينة، (بل) يصح أن (تؤجر) أرض العنوة ونحوها لأنها مؤجرة في أيدي أربابها بالخراج المضروب عليها في كل عام وإجارة المؤجرة جائزة.
ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها لما روى سعيد بن منصور عن مجاهد مرفوعا «رباع مكة حرام بيعها، حرام إجارتها» ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا «مكة لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها» رواه الأثرم، فإن سكن بأجرة لم يأثم بدفعها، جزم به في " المغني " وغيره.
(ولا يصح بيع نقع البئر) وماء العيون لأن ماءها لا يملك لحديث: «المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود وابن ماجه، بل رب الأرض أحق به من غيره لأنه [صار] في ملكه، (ولا) يصح بيع ما ينبت في أرضه من كلأ وشوك) لما تقدم وكذا معادن جارية كنفط وملح، وكذا لو عشش في أرضه طير لأنه لا يملكه به فلم يجز بيعه (ويملكه آخذه) لأنه من المباح لكن لا يجوز دخول ملك غيره بغير إذنه، وحرم منع مستأذن بلا ضرر.
و) الشرط الخامس: أن يكون) المعقود عليه مقدورا على تسليمه) لأن مالا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم فلم يصح بيعه.
(فلا يصح بيع آبق) علم خبره أو لا، لما رواه أحمد عن أبي سعيد:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق» ، (و) لا بيع (شارد) ولا (طير في هواء) ولو ألف الرجوع إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن أخذه، (و) لا يبع سمك في ماء) لأنه غرر ما لم يكن مرئيا بمحوز يسهل أخذه منه لأنه معلوم يمكن تسليمه، (ولا) يصح بيع مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه) من غاصبه لأنه لا
يقدر على تسليمه، فإن باعه من غاصبه أو قادر على أخذه صح لعدم الغرر، فإن عجز بعد فله الفسخ.
(و) الشرط السادس أن يكون) المبيع معلوما) عند المتعاقدين لأن جهالة المبيع
غرر ومعرفة المبيع إما (برؤية) له أو لبعضه الدال عليه مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغير فيه المبيع ظاهرا، ويلحق بذلك ما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه (أو صفة) تكفي في السلم فتقوم مقام الرؤية في بيع ما يجوز السلم فيه خاصة، ولا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه، ويصح بيع الأعمى وشراؤه بالوصف واللمس والشم والذوق فيما يعرف به كتوكيله، (فإن اشترى ما لم يره) بلا وصف (أو رآه وجهله) بأن لم يعلم ما هو (أو وصف له بما لا يكفي سلما لم يصح) البيع لعدم العلم بالمبيع.
(ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين) للجهالة، فإن باع ذات لبن أو حمل، دخلا تبعا.
(ولا) يباع (مسك في فأرته) أي الوعاء الذي يكون فيه للجهالة، (ولا نوى في تمر) للجهالة، (و) لا (صوف على ظهر) لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث ابن عباس، ولأنه متصل
بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه، (و) لا بيع فجل ونحوه) مما المقصود منه مستتر بالأرض قبل قلعه) للجهالة.
(ولا يصح بيع الملامسة) بأن يقول: بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، (و) لا بيع المنابذة) كأن يقول: أي ثوب نبذته إلي أي طرحته فعليك بكذا لقول أبى هريرة: «إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة» متفق عليه، وكذا بيع الحصاة كارمها فعلى أي ثوب وقعت فلك بكذا ونحوه، (ولا) بيع عبد) غير معين من عبيده ونحوه) كشاة من قطيع وشجرة من بستان للجهالة ولو تساوت القيم.
(ولا) يصح (استثناؤه إلا معينا) فلا يصح، بعتك هؤلاء العبيد إلا واحدا للجهالة
ويصح إلا هذا ونحوه، لأنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن الثنيا إلا أن تعلم» ، قال الترمذي: حديث صحيح، (وإن استثنى بائع من حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه صح) لفعله صلى الله عليه وسلم في خروجه من مكة إلى المدينة، رواه أبو الخطاب، فإن امتنع المشتري من ذبحه لم يجبر بلا شرط ولزمته قيمته على التقريب وللمشتري الفسخ بعيب يختص هذا المستثنى، (وعكسه) أي عكس استثناء الأطراف في الحكم استثناء (الشحم والحمل)
ونحوه مما لا يصح إفراده بالبيع فيبطل باستثنائه، وكذا لو استثنى منه رطلا من لحم أو نحوه.
(ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبطيخ) وبيض لدعاء الحاجة لذلك ولكونه
مصلحة
لفساده بإزالته. (و) يصح (بيع الباقلاء ونحوه) كالحمص والجوز واللوز (في قشره) يعني ولو تعدد قشره لأنه مضاف فيعم، وعبارة الأصحاب في قشريه لأنه مستور بحائل من أصل خلقته أشبه الرمان، (و) يصح بيع (الحب المشتد في سنبله) لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع.
(و) الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوما) للمتعاقدين أيضا كما تقدم لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع (فإن باعه برقمه) أي ثمنه المكتوب - عليه وهما يجهلانه أو أحدهما - لم يصح للجهالة، (أو) باعه (بألف درهم ذهبا وفضة) لم يصح لأن مقدار كل جنس منهما مجهول، (أو) باعه (بما ينقطع به السعر) أي بما يقف عليه من غير زيادة لم يصح للجهالة، (أو) باعه (بما باع) به (زيد وجهلاه، أو) جهله (أحدهما لم يصح) البيع للجهل بالثمن، وكذا لو باعه كما يبيع الناس أو بدينار أو درهم مطلق وثم نقود متساوية رواجا،
وإن لم يكن إلا واحدا أو غلب صح وصرف إليه، ويكفي علم الثمن بالمشاهدة كصبرة من دراهم أو فلوس، ووزن صنجة وملء كيل مجهولين.
(وإن باع ثوبا أو صبرة) وهي الكومة المجموعة من الطعام، (أو) باع (قطيعا من الغنم كل ذراع) من الثوب بكذا، (أو) كل
(قفيز) من الصبرة بكذا (أو) كل (شاة) من القطيع (بدرهم صح) البيع ولو لم يعلما قدر الثوب والصبرة والقطيع لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهي الكيل والعد والذرع.
(وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم) لم يصح لأن " من " للتبعيض، و" كل" للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق؛ لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا أو من القطيع كل شاة بكذا لم يصح لما ذكر، (أو) باعه (بمائة درهم إلا دينارا) لم يصح، (وعكسه) بأن باع بدينار أو دنانير إلا درهما لم يصح لأن قيمة المستثنى مجهولة فيلزم الجهل بالثمن، إذ استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا، (أو باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه) كهذه الفرس وما في بطن أخرى (ولم يقل كل منهما بكذا لم يصح) البيع لأن الثمن يوزع على المبيع بالقيمة والمجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم، وكذا لو باعه بمائة ورطل خمر وإن قال كل منهما: بكذا صح في المعلوم بثمنه للعلم به، (فإن لم يتعذر) علم مجهول أبيع مع معلوم