الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رب الدين على أخذ قرضه ببلد آخر إلا فيما لا مؤنة لحمله مع أمن البلد والطريق، وإذا قال: اقترض لي مائة ولك عشرة صح؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه، ولو قال: اضمني فيها ولك ذلك، لم يجز.
[باب الرهن]
هو لغة: الثبوت والدوام، يقال: ماء راهن، أي: راكد، ونعمة راهنة، أي: دائمة.
وشرعا: توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها، وهو جائز بالإجماع، ولا يصح بدون إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما. ويعتبر معرفة قدره وجنسه وصفته، وكون راهن جائز التصرف مالكا للمرهون أو مأذونا له فيه.
و (يصح) الرهن (في كل عين يجوز بيعها) لأن القصد منه الاستيثاق بالدين؛ ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذره من الراهن، وهذا متحقق في كل عين يجوز بيعها (حتى المكاتب) لأنه لا يجوز بيعه، ويمكن من الكسب، وما يؤديه من النجوم رهن معه، وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي كسبه، وإن عتق بقي ما أداه رهنا، ولا يصح شرط منعه من التصرف والمعلق عتقه بصفة إن كانت توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه، وإلا صح. ويصح الرهن (مع الحق) بأن يقول: بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك هذا، فيقول: اشتريت منك ورهنته؛ لأن الحاجة داعية لجوازه إذا، (و) يصح (بعده) أي: بعد الحق بالإجماع، ولا يجوز قبله؛ لأنه وثيقة بحق، فلم يجز قبل ثبوته؛ ولأنه تابع للحق فلا يسبقه، ويعتبر أن يكون (بدين ثابت) أو مآله إليه حتى على عين مضمونة كعارية ومقبوض بعقد فاسد، وتقع إجارة في ذمة لا على دين كتابة أو دية
على عاقلة قبل الحلول، ولا بعهدة مبيع وثمن وأجرة معينين ونفع نحو دار معينة.
(ويلزم) الرهن بالقبض (في حق الراهن فقط) لأن الحظ فيه لغيره، فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن، (ويصح رهن المشاع) لأنه يجوز بيعه في محل الحق، ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما، جاز، وإن اختلفا جعله حاكم بيد أمين أمانة أو بأجرة. (ويجوز رهن المبيع) قبل قبضه (غير المكيل والموزون) والمذروع والمعدود (على ثمنه وغيره) عند بائعه وغيره؛ لأنه يصح بيعه بخلاف المكيل ونحوه؛ لأنه لا يصح بيعه قبل قبضه، فكذلك رهنه.
(وما لا يجوز بيعه) كالوقف وأم الولد (لا يصح رهنه) لعدم حصول مقصود الرهن منه (إلا الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع) فيصح رهنهما مع أنه لا يصح بيعهما بدونه؛ لأن النهي عن البيع لعدم الأمن من العاهة؛ ولهذا أمر بوضع الجوائح، وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين لتعلقه بذمة الراهن، ويصح رهن الجارية دون ولدها وعكسه، ويباعان ويختص المرتهن بما قابل الرهن من الثمن، (ولا يلزم الرهن) في حق الراهن (إلا بالقبض) كقبض المبيع؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ولا فرق بين المكيل وغيره، وسواء كان القبض من المرتهن أو من اتفقا عليه، والرهن قبل القبض صحيح وليس بلازم، فللراهن فسخه والتصرف فيه، فإن تصرف فيه بنحو بيع أو عتق بطل، وبنحو إجارة أو تدبير لا يبطل؛ لأنه لا يمنع من البيع.
(واستدامته) أي: القبض (شرط) في اللزوم للآية وكالابتداء، (فإن أخرجه) المرتهن (إلى الراهن باختياره) ولو كان نيابة عنه (زال لزومه) لزوال استدامة القبض، وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض، ولو آجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق، (فإن رده) أي: رد الراهن الرهن (إليه) أي: إلى المرتهن (عاد لزومه إليه) لأنه أقبضه باختياره، فلزم كالابتداء، ولا يحتاج إلى تجديد عقد لبقائه، ولو استعار شيئا ليرهنه جاز، ولربه الرجوع قبل إقباضه لا بعده، لكن له مطالبة الراهن بفكاكه مطلقا، ومتى حل الحق ولم يقضه فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه، ويرجع المعير بقيمته أو مثله، وإن تلف ضمنه الراهن، وهو المستعير ولو لم يفرط المرتهن.
(ولا ينفذ تصرف واحد منهما) أي: من الراهن والمرتهن (فيه) أي: في الرهن المقبوض (بغير إذن الآخر) لأنه يفوت على الآخر حقه، فإن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع وكانت معطلة، وإن اتفقا على الإجارة أو الإعارة جاز، ولا يمنع المرتهن الراهن من سقي شجر وتلقيح ومداواة وفصد وإنزاء فحل على مرهونه، بل يمنع من قطع سلعة خطرة (إلا عتق الراهن) المرهون (فإنه يصح مع الإثم) لأنه مبني على السراية والتغليب، (وتؤخذ قيمته) حال الإعتاق من الراهن؛ لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة، وتكون (رهنا مكانه) لأنها بدل عنه، وكذا لو قتله أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن، أو أقر بالعتق وكذبه.
(ونماء الرهن) المتصل والمنفصل كالسمن، وتعلم الصنعة، والولد، والثمرة، والصوف، (وكسبه وأرش الجناية عليه ملحق به) أي: بالرهن، فيكون رهنا معه، ويباع معه لوفاء الدين إذا
بيع. (ومؤنته) أي: الرهن (على الراهن) لحديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» رواه الشافعي والدارقطني وقال: إسناده حسن متصل. (و) على الراهن أيضا (كفنه) ومؤنة تجهيزه بالمعروف؛ لأن ذلك تابع لمؤنته، (و) عليه أيضا (أجرة مخزنه) إن كان مخزونا وأجرة حفظه، (وهو أمانة في يد المرتهن) للخبر السابق، ولو قبل عقد الرهن كبعد الوفاء. (وإن تلف من غير تعد) ولا تفريط (منه) أي: من المرتهن (فلا شيء عليه) قاله علي رضي الله عنه؛ لأنه أمانة في يده كالوديعة، فإن تعدى أو فرط ضمن.
(ولا يسقط بهلاكه) أي: الرهن (شيء من دينه) لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف، ولم يوجد ما يسقطه، فبقي بحاله، وكما لو دفع إليه عبدا ليبيعه ويستوفي حقه من ثمنه. (وإن تلف بعضه) أي: الرهن (فباقيه رهن بجميع الدين) لأن الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن. (ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين) لما سبق، سواء كان مما تمكن قسمته أو لا، ويقبل قول المرتهن في التلف، وإذا ادعاه بحادث ظاهر كلف ببينة بالحادث، وقبل قوله في التلف وعدم التفريط ونحوه.
(وتجوز الزيادة فيه) أي: في الرهن بأن رهنه عبدا بمائة ثم رهنه عليها ثوبا؛ لأنه زيادة استيثاق (دون) الزيادة في (دينه) فإذا رهنه عبدا بمائة لم يصح جعله رهنا بخمسين مع المائة ولو كان يساوي ذلك؛ لأن الرهن أشغل بالمائة الأولى والمشغول لا يشغل.