الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في أحكام الإمامة]
(الأولى بالإمامة الأقرأ) جودة (العالم فقه صلاته) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا» ، رواه مسلم، (ثم) إن استووا في القراءة (الأفقه) لما تقدم، فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أفقه، أو أقرأ قدم، فإن كانا قارئين قدم أجودهما قراءة، ثم أكثرهما قرآنا ويقدم قارئ لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي، وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة قدم؛ لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة، (ثم) إن استووا في القراءة والفقه (الأسن) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«وليؤمكم أكبركم» متفق عليه. (ثم) مع الاستواء في السن (الأشرف)، وهو القرشي وتقدم بنو هاشم على سائر قريش إلحاقا للإمامة الصغرى بالكبرى ولقوله صلى الله عليه وسلم:«قدموا قريشا، ولا تقدموها» ، (ثم الأقدم هجرة) ، أو إسلاما، (ثم) مع الاستواء فيما تقدم (الأتقى) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، (ثم) إن استووا في الكل يقدم (من قرع) إن تشاحوا لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق (وساكن البيت وإمام المسجد أحق) إذا كانا أهلا للإمامة بمن حضرهم ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ، أو أفقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا
في سلطانه» ، رواه أبو داود عن ابن مسعود (إلا من ذي سلطان) فيقدم عليهما
لعموم ولايته ولما تقدم من الحديث والسيد أولى بالإمامة في بيت عبده؛ لأنه صاحب البيت (وحر) بالرفع على الابتداء (وحاضر) أي حضري، وهو الناشئ في المدن والقرى (ومقيم وبصير ومختون) أي مقطوع القلفة، (ومن له ثياب) أي ثوبان وما يستر به رأسه (أولى من ضدهم) خبر عن حر وما عطف عليه فالحر أولى من العبد والمبعض والحضري أولى من البدوي الناشئ بالبادية والمقيم أولى من المسافر؛ لأنه ربما يقصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة وبصير أولى من أعمى ومختون أولى من أقلف، ومن له من الثياب ما ذكر أولى من مستور العورة مع أحد العاتقين فقط، وكذا المبعض أولى من العبد والمتوضئ أولى من المتيمم والمستأجر في البيت المؤجر أولى من المؤجر والمعير أولى من المستعير وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه لحديث:«إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» ذكره أحمد في " رسالته " إلا إمام المسجد وصاحب البيت فتحرم.
(ولا تصح) الصلاة (خلف فاسق مطلقا) سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو الاعتقاد إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه» ، رواه ابن ماجه عن جابر (ككافر) أي كما لا تصح خلف كافر سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ منها، وتصح خلف المخالف في الفروع، وإذا ترك الإمام ما يعتقده واجبا وحده عمدا
بطلت صلاتهما. وإن كان عند مأموم وحده لم يعد، ومن ترك ركنا، أو شرطا، أو واجبا مختلفا فيه بلا تأويل، ولا تقليد أعاد، (ولا) تصح صلاة رجل وخنثى خلف (امرأة) لحديث جابر السابق، (ولا) خلف (خنثى للرجال) والخناثى لاحتمال أن يكون امرأة، (ولا) إمامة (صبي لبالغ) في فرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تقدموا صبيانكم» ، قاله في " المبدع "، وتصح في نفل وإمامة صبي بمثله، (ولا)
إمامه (أخرس) ولو بمثله؛ لأنه أخل بفرض الصلاة لغير بدل، (ولا) إمامة (عاجز عن ركوع، أو سجود، أو قعود) إلا لمثله، (أو قيام) أي لا تصح إمامة العاجز عن القيام لقادر عليه (إلا إمام الحي) أي الراتب بمسجد (المرجو زوال علته) لئلا يفضي إلى ترك القيام على الدوام.
(ويصلون وراءه جلوسا ندبا) ولو كانوا قادرين على القيام لقول عائشة: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف، قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به " إلى قوله: " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون» ، قال ابن عبد البر روي هذا مرفوعا من طرق متواترة، (فإن ابتدأ بهم) الإمام الصلاة
(قائما ثم اعتل) أي حصلت له علة عجز معها عن القيام (فجلس أتموا خلفه قياما وجوبا) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى في مرض موته قاعدا وصلى أبو بكر والناس خلفه قياما» متفق عليه. عن عائشة، وكان أبو بكر قد ابتدأ بهم قائما كما أجاب به الإمام، (وتصح خلف من به سلس ب بمثله) كالأمي بمثله.
(ولا تصح خلف محدث) حدثا أصغر، أو أكبر، (ولا) خلف (متنجس) نجاسة غير معفو عنها إذا كان (يعلم ذلك) ؛ لأنه لا صلاة له في نفسه، (فإن جهل هو) أي الإمام (و) جهل (المأموم حتى انقضت صحت) الصلاة (لمأموم وحده) ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم» ، رواه محمد بن الحسين الحراني عن البراء بن عازب، وإن علم هو، أو المأموم فيها استأنفوا، وإن علم معه واحد أعاد الكل، وإن علم أنه ترك واجبا عليه فيها سهوا، أو شك في إخلال إمامه بركن، أو شرط صحت صلاته معه بخلاف ما لو ترك السترة، أو الاستقبال؛ لأنه لا يخفى غالبا، وإن كان أربعون فقط في جمعة ومنهم واحد محدث، أو نجس أعاد الكل سواء كان إماما، أو مأموما.
(ولا تصح إمامة الأمي) منسوب إلى الأم كأنه على الحالة التي ولدته عليها، (وهو) أي الأمي (من لا يحسن) أي (يحفظ الفاتحة أن يدغم فيها ما لا يدغم) بأن يدغم حرفا فيما لا يماثله، أو يقاربه، وهو الأرت،
(أو يبدل حرفا) بغيره، وهو الألثغ كمن يبدل الراء غينا إلا ضاد المغضوب والضالين بظاء،
(أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى) ككسر كاف " إياك " وضم تاء " أنعمت " وفتح همزة " اهدنا "، فإن لم يحل المعنى كفتح دال " نعبد " ونون " نستعين " لم يكن أميا (إلا بمثله) فتصح لمساواته له، ولا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة الأول بالعاجز عن نصفها الأخير، ولا عكسه، ولا اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بعاجز عنها، (وإن قدر) الأمي (على إصلاحه لم تصح صلاته) ، ولا صلاة من ائتم به؛ لأنه ترك ركنا مع القدرة عليه.
(وتكره إمامة اللحان) أي كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى، فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده ذكره في " الشرح " وإن أحاله في غيرها سهوا، أو جهلا، أو لآفة صحت صلاته (و) تكره إمامة (الفأفاء والتمتام) ونحوهما والفأفاء: الذي يكرر الفاء، والتمتام: من يكرر التاء (و) تكره إمامة (من لا يفصح ببعض الحروف) كالقاف والضاد، وتصح إمامته أعجميا كان، أو عربيا، وكذا أعمى وأصم وأقلف وأقطع يدين، أو رجلين، أو إحداهما إذا قدر على القيام، ومن يصرع فتصح إمامتهم مع الكراهة لما فيهم من النقص.
(و) يكره (أن يؤم) امرأة (أجنبية فأكثر لا رجل معهن) لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالأجنبية، فإن أم محارمه، أو أجنبيات معهن رجل فلا كراهة؛ لأن النساء كن يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، (أو) أن يؤم (قوما أكثرهم يكرهه بحق) كخلل في دينه، أو فضله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون» ، رواه الترمذي وقال في " المبدع ": حسن غريب وفيه لين، فإن كان ذا دين وسنة وكرهوه لذلك فلا كراهة في حقه.