الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الصيام]
[الصيام] لغة: مجرد الإمساك، يقال للساكت: صائم لإمساكه عن الكلام، ومنه:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] وفي الشرع: إمساك بنية عن أشياء مخصوصة في زمن معين من شخص مخصوص. وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة. قال ابن حجر في " شرح الأربعين ": في شعبان اهـ. فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعا.
(يجب صوم رمضان برؤية هلاله) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، والمستحب قول شهر رمضان كما قال الله تعالى، ولا يكره قول رمضان، (فإن لم ير) الهلال (مع صحو ليلة الثلاثين) من شعبان (أصبحوا مفطرين) وكره الصوم؛ لأنه يوم الشك المنهي عنه، (وإن حال دونه) أي دون هلال رمضان بأن كان في مطلعه ليلة الثلاثين من شعبان (غيم أو قتر) بالتحريك أي غبرة وكذا دخان (فظاهر المذهب يجب صومه) أي صوم يوم تلك الليلة حكما ظنيا احتياطيا بنية رمضان، قال في " الإنصاف ": وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوه فيه التصانيف وردوا حجج المخالف، وقالوا: نصوص أحمد تدل عليه. اهـ. وهذا قول عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا
حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له» قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يوما يبعث من ينظر له الهلال، فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون
منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما، ومعنى:" أقدروا له " أي ضيقوا بأن يجعل شعبان تسعا وعشرين، وقد فسره ابن عمر بفعله صلى الله عليه وسلم وهو راوية، وأعلم بمعناه فيجب الرجوع إلى تفسيره. ويجزئ صوم ذلك اليوم إن ظهر منه وتصلى التراويح تلك الليلة، ويجب إمساكه على من لم يبيت بنيته لا عتق أو طلاق معلق برمضان، (وإن رؤي) الهلال (نهارا) ولو قبل الزوال (فهو لليلة المقبلة) كما لو رؤي آخر النهار، وروى البخاري في " تاريخه "مرفوعا:«من أشراط الساعة أن يروا الهلال يقولون ابن ليلتين» .
(وإذا رآه أهل بلد) أي متى ثبتت رؤيته ببلد (لزم الناس كلهم الصوم) لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته» وهو خطاب للأمة كافة، فإن رآه جماعة ببلد ثم سافروا لبلد بعيد فلم ير الهلال به في آخر الشهر أفطروا.
(ويصام) وجوبا (برؤية عدل) مكلف، ويكفي خبره بذلك لقول ابن عمر:«تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه» رواه أبو داود، (ولو) كان (أنثى) أو عبدا أو بدون لفظ الشهادة. ولا يختص بحاكم، فيلزم
الصوم من سمع عدلا يخبر برؤيته وتثبت بقية الأحكام، ولا يقبل في شوال وسائر الشهور إلا ذكران بلفظ الشهادة، ولو صاموا ثمانية وعشرين يوما ثم رأوه قضوا يوما فقط، (فإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم ير الهلال) لم يفطروا لقوله صلى الله عليه وسلم:«وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا» ، (أو صاموا لأجل غيم) ثلاثين يوما ولم يروا الهلال (لم يفطروا) لأن الصوم إنما كان احتياطا، والأصل بقاء رمضان، وعلم منه أنهم لو صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما ولم يروه أفطروا صحوا كان أو غيما لما تقدم. (ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله) لزمه الصوم وجميع أحكام الشهر من طلاق وغيره معلق به لعلمه أنه من رمضان، (أو رأى)
وحده (هلال شوال صام) ولم يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس» رواه الترمذي وصححه. وإن اشتبهت الأشهر على نحو مأسور تحرى، وأجزأه إن لم يعلم أنه تقدمه ويقضي ما وافق عيدا أو أيام تشريق.
(ويلزم الصوم) في شهر رمضان (لكل مسلم) لا كافر ولو أسلم في أثنائه قضى الباقي فقط (مكلف) لا صغير ومجنون (قادر) لا مريض يعجز عنه للآية، وعلى ولي صغير مطيق أمره به وضربه عليه ليعتاده، (وإذا قامت البينة في أثناء النهار) برؤية الهلال تلك الليلة (وجب الإمساك والقضاء) لذلك اليوم الذي أفطره (على كل من صار في أثنائه أهلا لوجوبه) أي وجوب الصوم، وإن لم يكن حال الفطر من أهل وجوبه
(وكذا حائض ونفساء طهرتا) في أثناء النهار فيمسكان ويقضيان، (و) كذا (مسافر قدم مفطرا) يمسك ويقضي، وكذا لو برئ مريض مفطرا أو بلغ صغير في أثنائه مفطرا أمسك وقضى، فإن كانوا صائمين أجزأهم، وإن علم مسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم لا صغير علم أنه يبلغ غدا لعدم تكليفه.
(ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكينا) ما يجزئ في كفارة مد من بر أو نصف صاع من غيره لقول ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] : ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم، رواه البخاري. والمريض الذي لا يرجى برؤه في حكم الكبير، لكن إن كان الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه مسافرا فلا فدية لفطره بعذر معتاد ولا قضاء لعجزه عنه.
(وسن) الفطر (لمريض يضره) الصوم و (لمسافر يقصر) ولو بلا مشقة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] ويكره لهما الصوم، ويجوز وطء لمن به مرض ينتفع به فيه ولا كفارة فيه، أو به شبق ولم تندفع شهوته بدون وطء
ويخاف تشقق أنثييه ولا كفارة ويقضي ما لم يتعذر لشبق فيطعم كالكبير وإن سافر ليفطر حرم، (وإن نوى حاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر) إذا فارق بيوت قريته ونحوها لظاهر الآية والأخبار الصريحة والأفضل عدمه، (وإن أفطرت حامل أو) أفطرت (مرضع خوفا على أنفسهما) فقط أو مع الولد (قضتاه) أي قضتا الصوم (فقط) من غير فدية لأنهما بمنزلة المريض الخائف
على نفسه، (و) إن أفطرتا خوفا (على ولديهما) فقط (قضتا) عدد الأيام (وأطعمتا) أي وجب على من يمون الولد أن يطعم عنهما (لكل يوم مسكينا) ما يجزئ في كفارة لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، قال ابن عباس:" كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطروا ويطعما لكل يوم مسكينا، والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا ". رواه أبو داود، وروي عن ابن عمر: وتجزئ هذه الكفارة إلى مسكين واحد جملة، ومتى قبل رضيع ثدي غيرها وقدر أن يستأجر له لم تفطر، وظئر كأم. ويجب الفطر على من احتاجه لإنقاذ معصوم من هلكة كغرق وليس لمن أبيح له الفطر برمضان صوم غيره فيه.
(ومن نوى الصوم ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار ولم يفق جزءا منه لم يصح صومه) لأن الصوم الشرعي الإمساك مع النية فلا يضاف للمجنون ولا للمغمى عليه، فإن أفاق جزءا من النهار صح الصوم سواء كان من أول النهار أو آخره (لا إن نام جميع النهار) فلا يمنع صحة صومه؛ لأن النوم عادة، ولا يزول به الإحساس بالكلية،
(ويلزم المغمى عليه القضاء) أي قضاء الصوم الواجب زمن الإغماء؛ لأن مدته لا تطول غالبا فلم يزل به التكليف (فقط) بخلاف المجنون فلا قضاء عليه لزوال تكليفه.
(ويجب تعيين النية) بأن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو قضائه أو نذر أو كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما لكل امرئ ما نوى» (من الليل) لما روى الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة مرفوعا: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له» وقال: إسناده كلهم ثقات. ولا فرق بين أول الليل ووسطه وآخره، ولو أتى بعدها بمناف للصوم من نحو أكل ووطء (لصوم كل يوم واجب) لأن كل يوم عبادة مفردة لا يفسد صومه بفساد صوم غيره (لا نية الفريضة) أي لا يشترط أن ينوي كون الصيام فرضا؛ لأن التعيين يجزئ عنه، ومن قال: أنا صائم غدا إن شاء الله مترددا فسدت نيته لا متبركا، كما لا يفسد إيمانه بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله غير متردد في الحال، ويكفي في النية الأكل والشرب بنية الصوم.
(ويصح) صوم (النفل بنية من النهار قبل الزوال أو بعده) لقول معاذ وابن مسعود وحذيفة، وحديث عائشة: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم من شيء؟
فقلنا: لا، قال: فإني إذا صائم» رواه الجماعة إلا البخاري. وأمر بصوم عاشوراء في أثنائه، ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقتها (ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي لم يجزئه) لعدم جزمه بالنية، وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان وقال: وإلا فأنا مفطر فبان من رمضان أجزأه؛ لأنه بني على أصل لم يثبت زواله، (ومن نوى الإفطار أفطر) أي صار كمن لم ينو لقطعه النية، وليس كمن أكل أو شرب، فيصح أن ينويه نفلا بغير رمضان، ومن قطع نية نذر أو كفارة ثم نواه نفلا، أو قلب نيتهما إلى نفل صح، كما لو انتقل من فرض صلاة إلى نفلها.