الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقين أو سبع بقين أو تسع بقين» ، (وليلة سبع وعشرين أبلغ) أي أرجاها لقول ابن عباس وأبي بن كعب وغيرهما. وحكمة إخفائها ليجتهدوا في طلبها، (ويدعو فيها) لأن الدعاء مستجاب فيها (بما ورد) عن عائشة قالت:«يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: قولي: " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي معناه وصححه، ومعنى العفو: الترك. وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا «سلوا
الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة» فالشر الماضي يزول بالعفو والحاضر بالعافية والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية.
[باب الاعتكاف]
(وهو) لغة: لزوم الشيء، ومنه {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] ، واصطلاحا:(لزوم مسجد) أي لزوم مسلم عاقل ولو مميزا لا غسل عليه مسجدا ولو ساعة (لطاعة الله تعالى) ويسمى جوازا ولا يبطل بإغماء، وهو (مسنون) كل وقت إجماعا لفعله صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه واعتكف أزواجه بعده ومعه وهو في رمضان آكد لفعله صلى الله عليه وسلم وآكده في عشره الأخير.
(ويصح) الاعتكاف (بلا صوم) لقول عمر: «يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة بالمسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك» رواه البخاري، ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل. (ويلزمان) أي الاعتكاف والصوم (بالنذر) فمن نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكفا لزمه الجمع، وكذا نذر أن يصلي معتكفا ونحوه لقوله صلى الله عليه وسلم:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» رواه البخاري، وكذا لو نذر صلاة بسورة معينة، ولا يجوز لزوجه اعتكاف بلا إذن زوجها ولا لقن بلا إذن سيده ولهما تحليلهما من تطوع مطلقا ومن نذر بلا إذن.
(ولا يصح) الاعتكاف (إلا) بنية لحديث «إنما الأعمال بالنيات» ولا يصح (إلا في مسجد) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187](يجمع فيه) أي تقام فيه الجماعة لأن الاعتكاف في غيره يفضي إما إلى ترك الجماعة أو تكرار الخروج إليها كثيرا مع إمكان التحرز منه وهو مناف للاعتكاف (إلا) من لا تلزمه الجماعة كـ (المرأة) والمعذور والعبد (فـ) يصح اعتكافهم (في كل مسجد) للآية، وكذا من اعتكف من الشروق إلى الزوال مثلا
(سوى مسجد بيتها) وهو الموضع الذي تتخذه لصلاتها في بيتها لأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكما لجواز لبثها فيه حائضا وجنبا، ومن المسجد ظهره ورحبته المحوطة ومنارته التي هي أو بابها فيه وما زيد فيه،
والمسجد الجامع أفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعة.
(ومن نذره) أي الاعتكاف (أو الصلاة في مسجد غير) المساجد (الثلاثة) مسجد مكة والمدينة والأقصى، (وأفضلها) المسجد (الحرام فمسجد المدينة فالأقصى) لقوله صلى الله عليه وسلم:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» رواه الجماعة إلا أبا داود (لم يلزمه) جواب " من " أي لم يلزمه الاعتكاف أو الصلاة (فيه) أي في المسجد الذي عينه إن لم يكن من الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» فلو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج لشد الرحال إليه، لكن إن نذر الاعتكاف في جامع لم يجزئه في مسجد لا تقام فيه الجمعة، (وإن عين) لاعتكافه أو صلاتها (الأفضل) كالمسجد الحرام (لم يجز) اعتكافه أو صلاته (فيما دونه) كمسجد المدينة أو الأقصى (وعكسه بعكسه)، فمن نذر اعتكافا أو صلاة بمسجد المدينة أو الأقصى أجزأه بالمسجد الحرام لما روى أحمد وأبو داود عن جابر «أن رجلا قال يوم الفتح: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال: صل ها هنا، فسأله فقال: صل ها هنا. فسأله، فقال: شأنك إذا» .
(ومن نذر) اعتكافا (زمنا معينا) كعشر ذي الحجة (دخل معتكفه قبل ليلته الأولى) فيدخل قبيل الغروب من اليوم الذي قبله (وخرج) من معتكفه (بعد آخره) أي بعد غروب الشمس آخر يوم منه، وإن نذر يوما دخل قبل فجره وتأخر حتى تغرب شمسه، وإن نذر زمنا معينا تابعه ولو أطلق، وعددا فله تفريقه، ولا تدخل ليلة يوم نذره كيوم ليلة نذرها.
(ولا يخرج المعتكف) من معتكفه (إلا لما لا بد) له (منه) كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم
من يأتيه بهما، وكقيء بغتة وبول وغائط وطهارة واجبة وغسل متنجس يحتاجه وإلى جمعة وشهادة لزمتاه، والأولى أن لا يبكر لجمعة ولا يطيل الجلوس بعدها، وله المشي على عادته وقصد بيته لحاجته إن لم يجد مكانا يليق به بلا ضرر ولا منة، وغسل يده بمسجد في إناء من وسخ ونحوه لا بول وفصد وحجامة بإناء فيه أو في هوائه، (ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة) حيث وجب عليه الاعتكاف متتابعا ما لم يتعين عليه ذلك لعدم من يقوم به (إلا أن يشترطه) أي يشترط في ابتداء اعتكافه الخروج إلى عيادة مريض أو شهود جنازة، وكذا كل قربة لم تتعين عليه، وما له منه بد كعشاء ومبيت بيته، لا الخروج للتجارة ولا التكسب بالصنعة في المسجد ولا الخروج لما شاء، وإن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه، وإذا زال العذر وجب الرجوع إلى اعتكاف واجب.
(وإن وطئ) المعتكف (في فرج) أو أنزل بمباشرة دونه (فسد اعتكافه) ويكفر كفارة يمين إن كان الاعتكاف منذورا لإفساد نذره لا لوطئه، ويبطل أيضا اعتكافه بخروجه لما له منه بد ولو قل. (ويستحب اشتغاله بالقرب) من صلاة وقراءة وذكر ونحوها (واجتناب ما لا يعنيه) - بفتح الياء - أي يهمه لقوله صلى الله عليه وسلم:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . ولا بأس أن تزوره زوجته في المسجد وتتحدث معه وتصلح رأسه أو غيره، ما لم يتلذذ بشيء منها، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، ويكره الصمت إلى الليل وإن نذره لم يف به. وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه لاسيما إن كان صائما، ولا يجوز البيع ولا الشراء فيه للمعتكف وغيره ولا يصح.