الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وإن أقر البائع بالبيع) في الشقص المشفوع (وأنكر المشتري) شراءه (وجبت) الشفعة؛ لأن البائع أقر بحقين؛ حق للشفيع وحق للمشتري، فإن أسقط حقه بإنكاره ثبت حق الآخر، فيقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن، ويكون درك الشفيع على البائع، وليس له ولا للشفيع محاكمة المشتري، (وعهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع) في غير الصورة الأخيرة، فإذا ظهر الشقص مستحقا أو معيبا رجع الشفيع على المشتري بالثمن أو بأرش العيب، ثم يرجع المشتري على البائع، فإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم، ولا شفعة في بيع خيار قبل انقضائه ولا في أرض السواد ومصر والشام؛ لأن عمر وقفها، إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه؛ لأنه مختلف فيه، وحكم الحاكم ينفذ فيه.
[باب الوديعة]
من ودع الشيء: إذا تركه؛ لأنها متروكه عند المودع. والإيداع توكيل في الحفظ تبرعا، والاستيداع توكل فيه كذلك، ويعتبر لها ما يعتبر في وكالة، ويستحب قبولها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها، ويكره لغيره إلا برضى ربها.
و (إذا تلفت) الوديعة (من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن) ؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أودع وديعة فلا ضمان عليه» رواه ابن ماجه، وسواء ذهب معها شيء من ماله أو لا.
(ويلزمه) أي: لمودع (حفظها في حرز مثلها) عرفا كما يحفظ ماله؛ لأنه تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ، قال في " الرعاية ": من استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة، وإلا ضمن، (فإن عينه) أي: الحرز (صاحبها فأحرزها بدونه،
ضمن) سواء
ردها إليه أو لا؛ لمخالفته له في حفظ ماله، (و) إن أحرزها (بمثله أو أحرز) منه (فلا) ضمان عليه؛ لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله فما فوقه من باب أولى. (وإن قطع العلف عن الدابة) المودعة (بغير قول صاحبها ضمن) ؛ لأن العلف من كمال الحفظ، بل هو الحفظ بعينه؛ لأن العرف يقتضي علفها وسقيها، فكأنه مأمور به عرفا، وإن نهاه المالك عن علفها لم يضمن؛ لإذنه في إتلافها، أشبه ما لو أمره بقتلها، لكن يأثم بترك علفها إذا لحرمة الحيوان. (وإن عين جيبه) بأن قال: احفظها في جيبك (فتركها في كمه أو يده ضمن) ؛ لأن الجيب أحرز، وربما نسي فسقط ما في كمه أو يده، (وعكسه بعكسه)، فإذا قال: اتركها في كمك أو يدك فتركها في جيبه، لم يضمن؛ لأنه أحرز، وإن قال: اتركها في يدك، فتركها في كمه أو بالعكس، أو قال: اتركها في بيتك فشدها في ثيابه وأخرجها، ضمن؛ لأن البيت أحرز.
(وإن دفعها إلى من يحفظ ماله) عادة كزوجته وعبده، (أو) ردها لمن يحفظ (مال ربها لم يضمن) لجريان العادة به، ويصدق في دعوى التلف والرد كالمودع، (وعكسه الأجنبي والحاكم) بلا عذر فيضمن المودع بدفعها إليهما؛ لأنه ليس له أن يودع من غير عذر. (ولا يطالبان) أي: الحاكم والأجنبي بالوديعة إذا تلفت عندهما بلا تفريط (إن جهلا) جزم به في " الوجيز "؛ لأن المودع ضمن بنفس الدفع والإعراض عن الحفظ، فلا يجب على الثاني ضمان؛ لأن دفعا واحدا لا يوجب ضمانين، وقال القاضي: له ذلك، فللمالك مطالبة من شاء منهما، ويستقر الضمان على الثاني إن علم، وإلا فعلى الأول، وجزم بمعناه في " المنتهى ".
(وإن حدث خوف أو) حدث للمودع (سفر ردها على ربها) أو وكيله فيها؛ لأن في ذلك تخليصا له من دركها، فإن دفعها للحاكم إذن ضمن؛ لأنه لا ولاية له على الحاضر، (فإن غاب) ربها (حملها) المودع (معه) في السفر سواء كان لضرورة أو لا، (إن كان أحرز) ولم ينهه عنه؛ لأن القصد الحفظ وهو موجود هنا، وله ما أنفق بنية الرجوع، قاله
القاضي، (وإلا) يكن السفر أحفظ لها، أو كان نهي عنه، دفعها إلى الحاكم؛ لأن في السفر بها غررا؛ لأنه عرضة للنهب وغيره، والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته. فإن أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها؛ لأنه لا ولاية له، فإن تعذر حاكم (أودعها أهل ثقة) لفعله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يهاجر، أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن رضي الله عنها، ولأنه موضع حاجة، وكذا حكم من حضره الموت.
(ومن) تعدى في الوديعة بأن (أودع دابة فركبها لغير نفعها) أي: علفها وسقيها، (أو) أودع (ثوبا فلبسه) لغير خوف من عث أو نحوه، (أو) أودع (دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها) إلى حرزها، (أو رفع الختم) عن كيسها أو كانت مشدودة فأزال الشد، ضمن، خرج منها شيئا أو لا؛ لهتك الحرز، (أو خلطها بغير متميز) كدراهم بدراهم وزيت بزيت من ماله أو غيره، (فضاع الكل ضمن) الوديعة؛ لتعديه، وإن ضاع البعض ولم يدر أيهما ضاع ضمن أيضا،