الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْخُلْعِ
وَإِذَا كَانَتِ الْمَرأةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِى حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِىَ نَفْسَهَا مِنْهُ.
ــ
كِتَابُ الْخُلْعِ
3378 - مسألة: (وَإذَا كَانَتِ الْمَرأةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِىَ نَفْسَهَا مِنْهُ)
وجملةُ ذلك، أنَّ المرأةَ إذا كرِهتْ زَوْجَها، لخَلْقِه، أو خُلُقِه، أو دِينِه، أو كِبَرِه، أو ضَعْفِه، أوْ نحوِ ذلك، وخَشِيَتْ أن لا تُؤدِّىَ حقَّ اللَّهِ في طْاعتِه، جازَ لها أن تُخالِعَه على عِوَضٍ تَفْتَدِى به نَفْسَها منه؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ} (1). ورُوِىَ أنَّ
(1) سورة البقرة 229.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى الصُّبْحِ، فَوجدَ حَبِيبَةَ بنتَ سَهْلٍ عندَ بابِه في الغَلَسِ، فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ما شَأْنُكِ؟» . قالت: لا أنا ولا ثابِتٌ. لزَوجِها (1)، فلمَّا جاءَ ثابتٌ، قال له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هذِه حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْل، [قدْ ذكَرَتْ] (2) ما شاءَ اللَّهُ أن تَذْكُرَ» . وقالت حبيبةُ: يارسولَ اللَّهِ، كلُّ ما أعْطانِى عندِى. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لثابتِ ابنِ قَيْسٍ:«خُذْ مِنها» . فأخذَ منها، وجلَسَتْ في أهْلِها. وهذا حديثٌ صحيحٌ، ثابتُ الإِسْنادِ، روَاه الأئِمَّةُ مالكٌ وأحمدُ وغيرُهُما (3)، وفى رِوايةٍ للبُخَارِىِّ (4)، قال: جاءتِ امرأةُ ثابتِ بنِ قيسٍ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، ما أنْقِمُ على ثابتٍ في دينٍ ولا خُلُقٍ، إلَّا أنِّى أخافُ الكُفْرَ. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أتَرُدِّينَ عليه حَدِيقَتَهُ؟» . قالت:
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «فذكرت» .
(3)
أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في الخلع، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 564. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 433، 434. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الخلع، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 516. والنسائى، في: باب ما جاء في الخلع، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 138، 139. والدارمى، في: باب في الخلع، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 163.
(4)
في: باب الخلع وكيف الطلاق فيه، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى 7/ 60، 61.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نعم. فرَدَّتْ عليه، وأمرَه ففارَقَها. وفى رِوايةٍ، فقال له:«اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْها تَطْلِيقَةً» (1). ولأَنَّ حاجتَها داعيةٌ إلى فُرْقَتِه، ولا تَصِلُ إليها إلَّا ببَذْلِ العِوَضِ، فأُبِيحَ لها ذلك، كشِرَاءِ المتاعِ. وبهذا قال جميعُ الفُقَهاءِ بالشَّامِ والحِجازِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (2): لا نعلمُ أحدًا خالفَه، إلَّا بكرَ (3) بنَ عبدِ اللَّهِ المُزَنِىَّ، فإنَّه لم يُجِزْه، وزَعَم أنَّ آيةَ الخُلْعِ مَنْسُوخَةٌ بقولِه سبحانه:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (4) الآية. ورُوِىَ عن ابنِ سِيرِينَ وأبى قِلَابَةَ أنَّه لا يَحِلُّ الخُلْعُ حَتى يَجِدَ على بَطْنِها رَجُلًا؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (5). ولَنا، الآيةُ التى تلوناها والخبرُ، ولأنَّه قولُ عمرَ، وعثمانَ، وعلى، وغيرِهم مِنَ الصَّحابةِ، ولم يُعْرَفْ لهم في عَصْرِهم مُخالِفٌ، فيكونُ إجْماعًا، ودَعْوَى النَّسْخِ لا تُسْمَعُ حتَّى يَثْبُتَ تعَذُّرُ الجَمْعِ وأنَّ الآيةَ النَّاسخةَ مُتَأخِّرَةٌ، ولم يَثْبُتْ شىئٌ مِن ذلك. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُسَمَّى خُلْعًا؛ لأَنَّ المرأةَ تَنْخَلِعُ مِن لباسِ زَوْجِها، قال اللَّهُ تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لهُنَّ} (6).
(1) عند البخارى 7/ 60. والنسائى 6/ 139.
(2)
انظر: الاستذكار 17/ 175، والتمهيد 23/ 375.
(3)
في الأصل: «بكير» .
(4)
سورة النساء 20.
(5)
سورة النساء 19.
(6)
سورة البقرة 187.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويُسَمَّى افْتِداءً؛ لأنَّها تَفْتَدِى نفْسَها بمالٍ (1) تَبْذُلُه، قال اللَّه تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} .
فصل: ولا يَفْتَقِرُ الخُلْعُ إلى حاكم. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: يجوزُ الخُلْعُ دونَ السُّلطانِ. ورَوَى البُخَارِىُّ (2) ذلك عن عمرَ. وعثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وبه قال شُرَيْحٌ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأهلُ الرَّأْى. وعن الحسَنِ، وابنِ سِيرينَ: لا يَجوزُ إلَّا عنْدَ السُّلطانِ. ولَنا، قولُ عمرَ وعثمانَ، ولأنَّه مُعاوَضَةٌ، فلم يَفْتَقِرْ إلى السُّلطانِ، كالبيعِ والنِّكاحِ، ولأنَّه قَطْعُ عَقْدٍ بالتَّراضِى، أشْبَهَ الإِقالةَ.
فصل: ولا بَأْسَ به في الحَيْضِ والطُّهْرِ الَّذى أصابَها فيه (3)؛ لأَنَّ المنعَ مِنَ الطَّلاقِ في الحَيْضِ مِن أجْلِ الضَّرَرِ الَّذى يَلْحَقُها بطُولِ العِدَّةِ، والخُلْعُ لإِزالةِ الضَّرَرِ الَّذى يلْحَقُها بسُوءِ العِشْرَةِ والمُقَامِ مع مَن (4)
(1) في م: «ما» .
(2)
أخرجه البخارى معلقًا بصيغة الجزم عن عمر، في: باب الخلع. . .، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى 7/ 60. ووصل أثر عمر، عبد الرزاق، في: باب الخلع دون السلطان، من كتاب الطلاق. المصنف 6/ 494. وابن أبى شيبة، في: باب ما قالوا في الخلع يكون دون السلطان، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 116. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في الخلع، من كتاب الطلاق. سنن سعيد بن منصور 1/ 336.
والذي علقه البخارى في الموضع السابق عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها. وما ورد عن عثمان من إجازة الخلع دون السلطان، أخرجه البيهقى، في: باب الخلع عند غير سلطان، من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى 7/ 316. وابن أبى شيبة في الموضع السابق.
(3)
سقط من: م.
(4)
سقط من: الأصل.