الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَالْكِنَايَاتُ نَوْعَانِ؛ ظَاهِرَةٌ، وَهِىَ سَبْعَةٌ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَبَائِنٌ، وَبَتَّةٌ، وَبَتْلَةٌ، وَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَأَنْتِ الْحَرَجُ.
ــ
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله:(والكِناياتُ نوْعان؛ ظاهرَةٌ، وهى سَبْعة: أنتِ خَلِية، وبَرِيَّةٌ، وبَائِنٌ، وبَتَّةٌ، وبَتْلَةٌ، وأنتِ حُرَّةٌ، وأنتِ الحَرَجُ) أكثْرُ الرواياتِ عن أبى عبدِ اللَّهِ، رحمه الله، كَراهِيَةُ الفُتْيا في هذه الكناياتِ، مع مَيْلِه إلى أنَّها ثلاثٌ. وحَكَى ابنُ أبى موسى في «الإِرْشادِ» عنه رِوَايَتَيْن؛ إحْداهما، أنَّها ثلاثٌ. والثَّانيةُ، يُرْجَعُ إلى ما نَوَاه اختارَها أبو الخَطَّابِ. وهو مذهبُ الشافعىِّ، قال: يُرْجَعُ إلى ما نَوَى، فإنْ لم يَنْوِ شيئًا وقَعَتْ واحدةٌ. ونحوُه قولُ النَّخَعِىِّ، إلَّا أنَّه قال: يَقَعُ طلقةٌ بائنةٌ؛ لأنَّ لَفْظَه يقْتَضِى البَيْنُونَةَ، ولا يَقْتَضِى عدَدًا. ورَوَى حَنْبَلٌ عن أحمدَ ما يدُلُّ على هذا؛ فإنَّه قال: يَزِيدُها في مَهْرِها إنْ أرادَ رَجْعَتَها. ولو وقَعَ ثَلاثًا لم تُبَحْ له رَجْعَتُها، ولو لم تَبِنْ لم يَحْتَجْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى زِيادةٍ في مَهْرِها. واحْتَجَّ الشافعىُّ بما روَى أبو داودَ (1) بإسْنادِه، أنَّ رُكَانَةَ بنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرأتَه سُهَيْمَة البَتَّةَ، فأخْبَرَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: واللَّهِ ما أردتُ إلَّا واحدةً. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلّا وَاحِدَةً» . فقال رُكَانَةُ: واللَّهِ ما أردْتُ إلَّا واحدةً. فرَدَّها إليه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فطَلَّقَها الثَّانيةَ في زمنِ عمرَ، والثَّالِثةَ في زمن عثمانَ. قال علىُّ بنُ محمدٍ الطَّنافِسىُّ (2): ما أشْرفَ هذا الحديثَ. ولأَنَّ الكناياتِ مع النِّيَّةِ كالصَّريحِ، فلم يَقَعْ به عندَ الإِطْلاقِ أكثرُ مِنِ واحدةٍ، كقوْلِه: أنتِ طالقٌ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأصحابُ الرَّأْى: إنْ نوَى ثلاثًا، فثلاثٌ، وإن نَوَى اثْنَتَيْن أو واحدةً، وقعتْ وِاحدة، ولا يقعُ اثْنتان؛ لأنَّ الكنايةَ تَقْتَضِى البَيْنُونةَ دونَ العَدَدِ، [والبَيْنُونةُ بَيْنُونَتانِ، صُغْرَى وكُبْرَى، فالصُّغْرَى بالواحدةِ، والكُبْرَى بالثَّلاثِ، ولو أوْقَعْنا اثْنَتَيْن كان مُوجَبُه العَدَدَ](3)،
(1) في: باب في البتة، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 511. كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذى 5/ 131، 132. وابن ماجه، في: باب طلاق البتة، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 661.
(2)
على بن محمد بن إسحاق أبو الحسن الطنافسى الكوفى، الإمام الحافظ المتقن، محدث قزوين، كان ثقة صدوقا، أقام هو وأخوه بقزوين، وارتحل إليهما الكبار. توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائين. سير أعلام النبلاء 11/ 459 - 461.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهى لا تقْتَضِيه. وقال رَبِيعةُ، ومالكٌ: يقَعُ بها الثَّلاثُ وإن لم يَنْوِ، إلَّا في الخُلْعِ (1) أو قبلَ الدُّخولِ، فإنَّها تَطْلُقُ واحدةً؛ لأنَّها تَقتَضِى [البَيْنُونةَ، والبَيْنُونَةُ تَحْصُلُ في الخُلْعِ وقبلَ الدُّخولِ بواحدةٍ، فلم يُزَدْ عليها؛ لأنَّ اللَّفْظَ لا يَقْتَضِى](2) زيادةً عليها (3)، وفى غيرِهما (4) يقَعُ الثَّلاثُ ضرورةَ أنَّ (5) البَيْنُونَةَ لا تحْصُلُ إلَّا بها. ووَجْهُ أنَّها ثلاثٌ أنَّه قَوْلُ أصحاب رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فرُوِىَ عن علىٍّ، [وابنِ عُمَرَ](6)، وزيدِ بنِ ثابتٍ، أَنَّها ثلاثٌ. قال أحمدُ في الخَلِيَّةِ والبَرِيَّةِ والبَتَّةِ: قولُ علىٍّ وابنِ عمرَ قولٌ صحيحٌ ثلاثًا. وقال علىٌّ، والحسنُ، والزُّهْرِىُّ، في البائِنِ:
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من الأصل.
(3)
في الأصل: «علهما» .
(4)
في م: «غيرها» .
(5)
في م: «لأن» .
(6)
في النسختين: «عمر» . والمثبت من المغنى 10/ 365. والذى ورد عن عمر أنه كان يجعلها واحدة، وأنه أحق برجعتها، أخرجه عنه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 356. وابن أبى شيبة، في: المصنف 5/ 66. وسعيد بن منصور، في: سننه 1/ 383، 385. والبيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 343. وانظر ما يأتى في كلام الشارح، رحمه الله. أما ابن عمر فكان يجعلها ثلاثًا، أخرجه الإمام مالك، في: باب ما جاء في الخلية البرية. . .، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 552. وعبد الرزاق، في: المصنف 7/ 356، 359. وابن أبى شيبة، في: المصنف 5/ 66. وسعيد، في: سننه 1/ 386. والبيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 344.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنَّها ثلاثٌ. ورَوَى النَّجّادُ بإسْنادِه، عن نافعٍ، أنَّ رجلًا جاءَ إلى عاصمٍ وابنِ الزُّبَيْرِ، فقال: إنَّ ظِئْرِى هذا طلَّقَ امْرأتَه البَتَّةَ قبلَ أن يدخلَ بها، فهل تَجِدان له رُخْصةً؟ فقالا: لا، ولكنَّا تَركْنا ابنَ عباسٍ وأبا هُرَيْرَةَ عندَ عائشة فسَلْهُم، ثم ارْجِعْ إلينا فأخْبِرْنا. فسألهم، فقال أبو هُرَيْرَةَ: لا تَحِلُّ له حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غيرَه. وقال ابنُ عباسٍ: هى ثلاثٌ. وذكَرَ عن عائشةَ مُتابَعَتَهما (1). وروَى بإسْنادِه، أنَّ عمرَ جعلَ البَتَّةَ واحدةً، ثم جعلها بعدُ ثلاثَ تَطليقاتٍ. وهذه أقْوالُ عُلَماءِ الصحابةِ، ولم يُعْرَفْ لهم مُخالفٌ في عَصْرِهم؛ فكان إجْماعًا. ولأنَّه طلَّقَ امْرأتَه بلَفْظٍ يَقْتَضِى البَيْنُونةَ، فوَجبَ الحُكْمُ بطَلاقٍ تحْصُلُ به البَيْنُونَةُ، كما لو طلَّقَ ثلاثًا، أو نَوَى الثَّلاثَ، وإفْضاؤُه إلى البَيْنُونَةِ ظاهِرٌ في قوْلِه: أنتِ بائنٌ. وكذا في قوْلِه: البتَّةَ. لأَنَّ البَتَّ القَطْعُ، فكأنَّه قطَع النِّكاحَ كلَّه، ولذلك (2) يُعَبَّرُ به عن الطَّلاقِ الثَّلاثِ، كما قالتِ امرأةُ رِفاعةَ: إنَّ رِفاعةَ طَلَّقَنِى فبَتَّ طَلاقِى (3). وبَتْلَةٌ (4) هو مِن القَطْعِ أيضًا؛ ولذلك (2) قيلَ في مَريمَ: البَتُولُ؛ لانْقِطاعِها عن النِّكاحِ. ونَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن التَّبَتُّلِ (5)، وهو
(1) وأخرجه ابن أبى شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يطلق امرأته البتة، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 67.
(2)
في م: «كذلك» .
(3)
تقدم تخريجه في 20/ 411.
(4)
في م: «بتله» . وآخرها غير منقوط في: الأصل.
(5)
تقدم تخريجه في 20/ 15.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الانْقِطاعُ عن النِّكاحِ بالكُلِّيَّةِ. وكذلك الخَلِيَّةُ والبَرِيَّةُ يَقْتضيانِ الخُلُوَّ مِن النِّكاحِ والبَراءَةَ منه، وإذا كان للَّفْظِ معنًى فاعْتبرَه الشَّرْعُ، إنَّما يَعْتبرُه فيما يَقْتَضِية ويُؤَدِّى مَعْناه، ولا سبيلَ إلى البَيْنونَةِ بدُونِ الثلاثِ، فوَقعتْ ضَرُورةَ الوفاءِ بما يَقْتَضِيه لفْظُه، ولا يُمْكِنُ إيقاعُ واحدةٍ بائِنَةٍ؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ على إِيقاعِ ذلك بصَريحِ الطَّلاقِ، فكذلك بكِنايتِه، ولم (1) يُفَرِّقْ بينَ المدخولِ بها وغيرِها؛ لأَنَّ الصحابةَ لم يُفَرِّقوا؛ لأَنَّ كلَّ لفْظةٍ أوْجَبَتِ الثَّلاثَ في المدخولِ بها أوْجَبَتْها في غيرِها، كقولِه: أنت طالقٌ ثلاثًا. فأمَّا حديث رُكانَةَ، فإنَّ أحمدَ ضَعَّف إسْنادَه، فلذلك تَرَكَه. وقولُه: أنتِ حُرَّة. يَقْتَضِى ذَهابَ الرِّقِّ عنها، وخُلوصَها منه، والرِّقُّ ههُنا النِّكاحُ. وقولُه: أنت الحَرَجُ. يعنى الحَرَامَ والإِثْمَ، قال اللَّه تعالى:{عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} (2). أى إثْمٌ، وأصْلُه الضِّيقُ، قال اللَّهُ تعالى:{فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} (3). فكأنَّه حَرَّمَها وأثَّمَ
(1) في م: «ولا» .
(2)
سورة النور 61، وسورة الفتح 17.
(3)
سورة الأعراف 2.