الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ، أَوْ جَعَلَ أمْرَهَا بِيَدِهَا فَرَدَّتْهُ، أَوْ
ــ
[في أنَّ](1) الزَّوْجَ لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ، وعندَنا أنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، فبَطَلَ [بقيامِه، كما يَبْطُلُ](2) بقيامِها. وإن كان أحدُهما قائمًا فركِبَ أو مَشَى، بَطل الخِيارُ، وإن قَعَدَ لم يَبْطُلْ، لأَنَّ القِيامَ يُبْطِلُ الفِكْرَ والارْتِياءَ في الخِيارِ، فيكونُ إعْراضًا، والقُعُودُ بخِلافِه. ولو كانت قاعِدَةً فاتَّكَأَتْ، أو مُتَّكِئَةً فقَعَدَتْ، لم يَبْطُلْ، لأَنَّ ذلك لا يُبْطِلُ الفِكْرَةَ. وإنْ تَشاغَلَتْ (3) بالصلاةِ، بَطَل الخِيارُ. وإن كانت في صلاةٍ فأتَمَّتْها، لم يَبْطُلْ خِيارُها. وإن أضافَتْ إليها ركْعَتَيْن أُخْرَيَيْن، بَطَل خِيارُها. وإن أكَلَتْ شيئًا يسيرًا (4)، أو قالت: بسمِ اللَّهِ. أو سبَّحَتْ شيئًا يسيرًا، لم يَبْطُلْ؛ لأَنَّ ذلك ليس بإعْراضٍ. وإن قالت: ادْعُ (5) لى شُهودًا أُشْهِدُهم على ذلك. لم يَبْطُلْ خيارُها (4). وإن كانت راكبةً فسارتْ، بَطَلَ (6) خيارُها. وهذا كلُّه قولُ أصحابِ الرَّأْى.
3471 - مسألة: (فإن جَعَلَ لها الخِيارَ اليومَ كُلَّه، أو جَعَلَ أمْرَها
(1) في م: «بأن» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «تشاغل» . وفى المغنى 10/ 389: «تشاغل أحدهما» .
(4)
سقط من: م.
(5)
في م: «ادعوا» .
(6)
في م: «لم يبطل» .
رَجَعَ فِيهِ، أَوْ وَطِئَهَا، بَطَلَ خِيَارُهَا. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِى كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الأُخْرَى.
ــ
بِيَدِها فرَدَّتْهُ، أو رَجَعَ فيه، أو وَطِئَها، بَطَلَ خِيارُها. هذا المَذْهَبُ) إذا جعلَ لها الخِيارَ اليومَ كلَّه، أو أكثرَ مِن ذلك، أو متى شاءتْ، فلها ذلك (1) في تلك المُدَّةِ. وإن قال: اخْتارِى إذا شِثْتِ -أو- متى شِئْتِ -[أو- متى ما شئتِ](2). فلها ذلك؛ لأَنَّ هذه تُفِيدُ جَعْلَ الخِيارِ لها في عُموم الأوْقاتِ. فإن رَدَّتْ ذلك، أو جَعَلَ أمْرَها بيَدِها فرَدَّتْه، بَطَلَ خِيارُهَا؛ لأنَّها إنَّما مَلَكَتْه بالوَكالةِ، فهى كالوَكيلِ إذا رَدَّ (3) الوَكالةَ. وإنْ رَجَعَ فيما مَلَّكَها، بَطَلَ أيضًا، كما إذا رَجَعَ المُوكِّلُ فيما وَكَّلَ فيه. وإن وَطِئَها، فهو رُجوعٌ أيضًا؛ لأنَّه يدُلُّ على الرُّجوعِ، أشْبَهَ ما لو رَجَع بالقَوْلِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَنْفَسِخَ الوَكالةُ، كما لو وَكَّلَه في بَيْعِ دارٍ وسَكَنَها. ذَكَرَه ابنُ أبى موسى. وإن قال: اخْتارِى اليومَ وغدًا وبعدَ غدٍ. فلها ذلك، فإن رَدَّتِ الخِيارَ في الأَوَّلِ، بَطَلَ كلُّه. وإن قال لها: لا تَعْجَلى حتى تَسْتَأْمِرِى أبَوَيْكِ. ونحوَه، فلها الخِيارُ على التَّراخِى؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشةَ (4)، فدَلَّ على أنَّ خِيارَها لا يَبْطُلُ بالتَّأْخيرِ.
(1) في م: «الخيار» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «أراد» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 284.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن قال: اخْتارِى نفْسَكِ اليومَ، واخْتارِى نَفْسَكِ غدًا. فرَدَّتْه في اليومِ الأَوَّلِ، لم يَبْطُلْ في الثانى. وقال أبو حنيفةَ: لا يَبْطُلُ في المسألةِ الأُولَى أيضًا؛ لأنَّهما خِيَارانِ في وَقْتَيْن، فلم يَبْطُلْ أحدُهما برَدِّ الآخرِ، قياسًا على المسألةِ الثَّانيةِ. ولَنا، أنَّه خِيارٌ واحدٌ في مُدَّةٍ واحدةٍ، فإذا بَطَلَ أوَّلُه بَطَلَ ما بعدَه، كما لو كان الخِيارُ في يوم واحدٍ، وكخيارِ الشَّرْطِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّهما خِيارانِ، وإنَّما هو خِيار واحدٌ في يَوْمَيْنِ، وفارقَ ما إذا قال: اخْتارِى نفْسَكِ اليومَ، واخْتارِى نفْسَكِ غدًا. فإنَّهما خِيارانِ؛ لأَنَّ كُلَّ واحدٍ منهما (1) ثَبَت بسَبَبٍ مُفرَدٍ.
فصل: ولو خَيَّرَها شَهرًا، فاخْتارَتْ نفسَها (2)، ثم تَزَوَّجَها، لم يَكُنْ لها عليه خِيارٌ، وعندَ أبى حنيفةَ لها الخيارُ. ولَنا، أنَّها اسْتَوْفَتْ ما جَعلَ لها في هذا العَقْدِ، فلم يَكُنْ لها في عقْدٍ ثانٍ، كما لو اشْتَرَطَ الخِيارَ في سِلْعَةٍ مُدَّةً، ثم فَسَخَ، ثم اشْتَراها بعَقْدٍ آخَرَ في تلك المُدَّةِ. ولو لم تَخْتَرْ نَفْسَها و (3) اخْتارَتْ زَوْجَها، وطَلَّقَها الزَّوْجُ، ثم تَزَوَّجَها، بَطَل خيارُها (2)؛ لأَنَّ الخِيارَ المَشْروطَ في عَقْدٍ لا يَثْبُت في عقدٍ سِوَاه، كما في البيعِ. والحُكمُ في قولِه: أمْرُكِ بيَدِكِ. في هذا كلِّه، كالحُكْمِ في التَّخْيِيرِ؛ لأنَّه نَوْعُ تخْيِيرٍ. ولو قال لها: اخْتارِى -أو- أمْرُكِ بيَدِك،
(1) زيادة من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اليومَ وبعدَ الغَدِ. [فرَدَّتْ في اليومِ الأَوَّلِ](1)، لم يَبْطُلْ في (2): بعدَ غدٍ؛ لأنَّهما خِيارانِ يَنْفَصِلُ أحدُهما عن (3) صاحِبِه، فلم يَبْطُلْ أحدُهما ببُطْلانِ الآخَرِ، بخِلافِ ما إذا كان الزَّمان مُتَّصِلًا واللَّفظُ واحدًا، فإنَّه خِيارٌ واحدٌ، فبَطَلَ كلُّه ببُطْلانِ بعْضِه. وإن قال: لكِ الخِيارُ يومًا -أو- أمْرُكِ بيَدِك يومًا. فأبْتداؤُه مِن حينَ نَطَقَ به إلى مِثْلِه مِن الغَدِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِكْمالٌ يوم بتَمامِه إلَّا بذلك. وإن قال: شهرًا. فمِن ساعةِ نَطقَ إلى اسْتِكْمالِ ثلاثينَ يومًا إلى مثلِ تلك الساعةِ. وإن قال: الشَّهْرَ -أو- اليومَ -أو- السَّنَةَ. فهو على ما بَقىَ مِن اليوم والشَّهْرِ والسَّنةِ (وخَرَّجَ أبو الخَطَّابِ في كُلِّ مسألةٍ وَجْهًا مثلَ حُكْمِ الأُخرَى) أى خَرَّجَ في قولِه: أمْرُكِ بيَدِكِ. وَجْهًا أنها لا تَطْلُقُ أكثرَ مِن واحدةٍ، وأنها تَتَقَيَّدُ بالمجلسِ، بشَرْطِ أن لا يتَشاغَلا بما يَقْطَعُ كلامَهما، وفى قولِه: اخْتارِى نَفْسَكِ. أنَّه لا يتَقَيَّدُ بالمجلسِ، وأنَّ لها أن تُطَلِّقَ أكثرَ مِن واحدةٍ عندَ الإطْلاقِ، قياسًا لكُلِّ واحدَةٍ منهما على الأُخْرَى.
فصل: فإن خَيَّرَها فاخْتارَتْ زَوْجَها، أو رَدَّتِ الخيارَ أو الأمْرَ، لم يَقَعْ شئٌ. نَصَّ عليه أحمدُ في روايةِ الجماعةِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعلىٍّ، وزيدٍ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وهو قولُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من الأصل.
(3)
في الأصل: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وابنِ شُبْرُمَةَ، وابنِ أبى ليلَى، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وابنِ المُنْذِرِ. وعن الحسنِ: تَكونُ واحدةً رَجْعِيَّةً. ورُوِىَ ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. ورَواه إسْحاقُ بنُ مَنْصورٍ عن أحمدَ، قال: إنِ اخْتارَتْ زَوْجَها، فواحدةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وإنِ اخْتارَتْ نَفْسَها فثلاثٌ (1). قال أبو بكرٍ: انْفَردَ بهذا إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ، والعملُ على مما رَوَاه الجماعةُ. ووَجْهُ هذه الرِّوايةِ، أنَّ التَّخْيِيرَ كِنايةٌ نَوَى بها الطَّلاقَ، فَوقعَ بها بمُجَرَّدِها (2)، كسائِرِ كناياتِه. وكقَوْلِه: انْكِحى مَنْ شِئْتِ. ولَنا، قولُ عائشةَ: قد خَيَّرَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أفكان (3) طلاقًا؟ وقالتْ: لمَّا أُمِرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بتَخْيِيرِ أزْواجِه بدأَ بى فقال: «إِنِّى لمُخْبِرُكِ خَبَرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ» . ثم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} حتى بلَغَ: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (4). فقلتُ: في أىِّ هذا أسْتَأْمِرُ أبَوَىَّ! فإنِّى أُريدُ اللَّهَ ورسولَه والدَّارَ الآخِرَةَ. قالتْ: ثم فَعَلَ أزْوِاجُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم مثلَ ما فعلْتُ. مُتَّفَقٌ عليهما (5). قال مَسْروقٌ: ما أُبالى خيَّرْتُ امْرأتِى واحدةً أو
(1) في الأصل: «قبلت» .
(2)
في م: «بمجرده» .
(3)
في م: «فكان» .
(4)
سورة الأحزاب 28، 29.
(5)
الأول أخرجه البخارى، في: باب من خير نساءه، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى 7/ 55. =