الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا أَنْ يَأتِىَ بِهَا فِى حَالِ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
3458 - مسألة: (إلَّا أَنْ يَأتِىَ بِهَا فِى حالِ الخُصُومَةِ والغَضَبِ، فَعَلى رِوَايَتَيْن)
ذكَرَهما أبو بكرٍ، والقاضى، وأبو الخَطَّابِ؛ إحْداهما، يَقَعُ الطَّلاقُ. ذَكَرَه الخِرَقِىُّ. قال في روايةِ المَيْمُونِىِّ: إذا قال لزَوْجَتِه: أنتِ حُرَّةٌ لوَجْهِ اللَّهِ. في الغَضبِ، فأخْشَى أن يكونَ طَلاقًا. والرِّوايةُ الأُخْرَى، ليس بطَلاقٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ يقولُ في: اعتَدِّى، واخْتارِى، وأمْرُك بيَدِك. كقَوْلِنا في الوُقوعِ. واحْتَجَّا بأنَّ هذا ليس بصَريحٍ في الطَّلاقِ، ولم يَنوِه، فلم يَقَعْ به الطَّلاق، كحالِ الرِّضَا، ولأَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لا يتَغَيَّرُ بالرِّضا والغَضبِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ ما كان مِن الكِناياتِ لا يُسْتَعْمَلُ في غيرِ الفُرْقةِ إلَّا نادِرًا، نحوَ قولِه: أنتِ حُرَّةٌ لوَجْهِ اللَّهِ. و: اعْتَدِّى. و: اسْتَبْرِئِى رَحِمَكِ. و: حَبْلُكِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على غارِبِكِ. و: أنتِ بائنٌ. وأشباهُ ذلك، أنَّه يقَعُ في حالِ الغَضبِ وجوابِ سؤالِ الطَّلاقِ مِن غيرِ نيَّةٍ، وما كَثُرَ [اسْتِعْمالُه لغيرِ ذلك، نحوَ: اخْرُجى. و: اذْهَبِى. و: رُوحِى. و (1): تَقَنَّعِى. لا يقَعُ الطَّلاق به إلَّا بنِيَّةٍ. ومذهبُ أبى حنيفةَ قريبٌ مِن هذا. وكلامُ الخِرَقِىِّ إنَّما ورَدَ في قولِه: أنتِ حُرَّةٌ. وهو ممَّا لا يَسْتَعْمِلُه الإِنْسانُ في حَقِّ زَوْجَتِه غالبًا إلَّا كِنايةً عن الطَّلاقِ، ولا يَلْزَمُ مِن الاكتِفاءِ بذلك (2) بمُجَرَّدِ الغضَبِ وُقوعُ غيرِه مِن غيرِ نِيَّةٍ، لأَنَّ ما كثُرَ](3) اسْتِعْمالُه يُوجَدُ كثيرًا غيرَ مُرادٍ به الطَّلاقُ في حال الرِّضا، فكذلك في حالِ الغَضبِ، إذْ لا حَجْرَ عليه في اسْتِعْمالِه والتَّكَلُّمِ [به، بخِلافِ](4) ما لم تَجْرِ العَادةُ بذِكْرِه، فإنَّه لمَّا قَلَّ اسْتعمالُه في غيرِ الطَّلاقِ، كان مُجَرَّدُ ذِكْرِه يُظَنُّ منه إرادةُ الطَّلاقِ،
(1) الواو ساقطة من: م.
(2)
في م: «كذلك» . وانظر المغنى 10/ 361.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في الأصل: «يخالف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإذا انْضَمَّ إلى ذلك مَجِيئُه عَقِيبَ سُؤالِ الطَّلاقِ أو في حالِ الغَضبِ، قَوِىَ الظَّنُّ، فصارَ ظَنًّا غالبًا. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُخْرَى، أن دَلالةَ الحالِ تُغَيِّرُ حُكْمَ الأقْوالِ والأفْعالِ؛ فإنَّ مَنْ قالَ لرجلٍ: يا عفيفُ ابن العفيفِ. حالَ تَعْظِيمِه كان مَدْحًا له، وإنْ قالَه في حالِ شَتْمِه [وتَنَقُّصِه] (1) كان قذْفًا وذَما. ولو قال: إنَّه لا يَغْدِرُ بذِمَّةٍ، ولا يَظْلِمُ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وما أحدٌ أوْفى ذِمَّةً منه. في حالِ المدْحِ كان مَدْحًا بَلِيغًا، كما قال حسَّانُ (2):
فما حَمَلَتْ مِن ناقَةٍ فَوْقَ رَحْلِها
…
أبَرَّ وأَوْفَى ذِمَّةً مِن مُحَمَّدِ
ولو قالَه في حالِ الذَّمِّ كان هجْوًا قَبِيحًا، كقولِ النَّجَاشِىِّ (3):
قُبَيِّلَةٌ (4) لا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ
…
ولا يَظِلمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
وقال آخرُ (5):
كأنَّ رَبِّىَ لم يَخْلُقْ لخَشْيَتِه
…
سِواهُمُ مِن جَميعِ النَّاسِ إنْسانًا
وهذا في هذا الموضعِ هجاءٌ قَبِيحٌ وذمٌّ، حتى حُكِىَ عن حسَّانَ أنَّه قال:
(1) في الأصل: «وتبعض» .
(2)
كذا نسبه لحسان، وليس في ديوانه، وهو لأنس بن زنيم، في: السيرة 4/ 424، وخزانة الأدب 6/ 474، ولأنس ولآخرين في الإصابة 3/ 5، وغير منسوب في زهر الآداب 2/ 1093.
(3)
قيس بن عمرو بن مالك، والبيت، في: الشعر والشعراء 1/ 331، والعقد الفريد 2/ 297، 6/ 145. وانظر ترجمته، في: الإصابة 6/ 491 - 494.
(4)
في م: «قبيلته» .
(5)
هو قُرَيْط بن أُنَيف، رجل من بلعنبر بن تميم. شرح الحماسة 1/ 31، والبيت في الحماسة 1/ 58، وفى العقد الفريد 2/ 297 بدون عزو.