الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَال: إِنْ لَمْ أَطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، لَمْ تَطْلُقْ إلا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا، إلا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ.
ــ
3552 - مسألة:. (وإن قال: إن لم أطَلِّقْكِ فَأنْتِ طَالقٌ. لَمْ تَطْلُقْ إلَّا في آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَياةِ أحَدِهِمَا، إلَّا أنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ)
لأنَّ حرفَ «إن» موْضوعٌ للشَّرْطِ، لا يَقتَضِي زَمَنًا، ولا يَدُلُّ عليه إلَّا مِن حيثُ إنَّ الفِعْلَ المُعَلَّقَ به مِنْ ضَرُورَته الزَّمانُ، فلا يَتَقَيَّدُ بزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فما عُلِّقَ عليه كان على التَّراخِي، سواءٌ في ذلك الإِثْباتُ والنَّفْيُ. فعلى هذا إذا قال: إن لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ. ولم يَنْو وَقْتًا بعَينِه، ولم يُطَلِّقْها، كان ذلك على التَّراخِي، لا يَحْنَثُ بِتأْخِيرِه؛ لأنَّ كُلَّ زَمَنٍ يُمْكِنُ أن يفْعَلَ فيه ما حَلَفَ عليه، فلم يَفُتِ الوقتُ، فإذا مات أحدُهما عَلِمْنا حِنْثَه حينئذٍ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ إيقاعُ الطَّلاقِ بها بعدَ موتِ أحدِهما، فَتَبَيَّنَ أنَّه يَقَعُ، إذْ (1) لم يَبْقَ مِن حياتِه ما يتَّسِعُ لتَطْليقِها. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. ولا نعلمُ فيه بينَ أهلِ العلمِ خلافًا. ولو قال: إن لم أُطَلِّقْ عَمْرَةَ فحفصةُ طالقٌ.
(1) في النسختين: «إذا» . وانظر المغني 10/ 438.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأيُّ الثَّلاثةِ ماتَ أوَّلًا وقعَ الطَّلاقُ قَبْلَ موْتِه؛ لأنَّ تَطْليقَه حَفْصَةَ على وَجْهٍ تَنحَلُّ به يَمِينُه، إنَّما يكونُ في حياتِهم جميعًا. وكذلك لو قال: إن لم أُعْتِقْ عَبْدِي. أو: إن لم أضْرِبْه، فامْرأتِي طالقٌ. وقعَ بها الطَّلاقُ في آخِرِ جُزْءٍ مِن حياةِ أوَّلِهم مَوْتًا. فأمّا إن عَيَّنَ وَقْتًا بلَفْظِه أو نِيَّتِه، تَعَيَّنَ، وتَعَلَّقَتْ يمينُه به. قال أحمدُ: إذا قال: إن لم أضْرِبْ فُلانًا فأنتِ طالقٌ ثلاثًا. فهو على ما أرادَ مِن ذلك؛ وذلك لأنَّ الزَّمانَ المحْلوفَ على تَرْكِ الفِعْلِ فيه تَعَيَّنَ بنِيَّتِه وإرادَتِه، فصارَ كالمُصَرّحِ به في لَفْظِه، فإنَّ مَبْنَى الأيمانِ على النِّيَّةِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَإنَّما لامْرِئٍ مَا نَوَى» (1).
فصل: إذا كان المُعَلَّقُ طلاقًا بائِنًا فماتَتْ، لم يَرِثْها، لأنَّ طَلاقَه أبانَها منه، فلم يَرِثْها، كما لو طَلَّقَها ناجِزًا عندَ مَوْتِها. وإن ماتَ وَرِثَتْه. نَصَّ عليه أحمدُ في روايةِ أبي طالبٍ، إذا قال الرَّجلُ لزَوْجَتِه: أنتِ طالقٌ ثلاثًا إن لم أتَزَوَّجْ عليكِ. [وماتَ ولم](2) يَتَزوَّجْ عليها، وَرِثَتْه، وإن ماتَتْ،
(1) تقدم تخريجه في 1/ 308.
(2)
في الأصل: «وما لم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يَرِثْها؛ وذلك لأنَّها تَطْلُقُ في آخِرِ حياتِه، فأشْبَهَ طَلاقَه لها في تلك الحالِ. ونحوَ هذا قال عطاءٌ، ويحيى الأنْصارِيُّ. ويتَخَرَّجُ لنا أنَّها لا تَرِثُه أيضًا. وهذا قولُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحسنِ، والشَّعْبِيِّ، وأبي عُبَيدٍ؛ لأنَّه إنَّما طَلَّقَها في صِحَّتِه، وإنَّما تَحَقَّقَ شَرْطُ وُقوعِه في المرضِ، فلم تَرِثْه، كما لو عَلَّقَه على فِعْلِها، ففَعَلَتْه في مَرَضِه. وقال أبو حنيفةَ: إن حَلَفَ إن لم تَأْتِ البَصْرَةَ فأنتِ طالقٌ. فلم تَفْعَلْ، فإنَّهما لا يَتوارَثانِ، وإن قال: إن لم آتِ البصرةَ فأنتِ طالقٌ. فماتَ، وَرِثَتْه، وإن ماتَت لم يَرِثْها؛ فإنَّه في الأُولَى عَلَّقَ الطَّلاقَ على فِعْلِها، فإذا امْتَنَعتْ منه، فقد حَقَّقَتْ شَرْطَ الطَّلاقِ، فلم تَرِثْه، كما لو قال: إن دَخَلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ. فدَخَلَتْها، وإذا عَلَّقَه على فِعْلِ نفْسِه، فامْتَنَعَ، كان الطّلاقُ منه، فأشْبَهَ ما لو نَجَزَه في الحالِ. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّه طَلاقٌ في مرضِ مَوْتِه، فمنعَه مِيراثَه (1)، ولم يَمْنَعْها، كما لو طَلَّقَها ابتداءً، ولأن الزّوجَ أخَّرَ الطَّلاقَ اخْتِيارًا منه حتى وقعَ ما عَلَّقَ عليه في مرضِه، فصارَ كالمُباشِرِ له. فأمَّا ما ذُكِرَ عن أبي حنيفةَ، فحسَنٌ إذا كان الفِعْلُ ممّا لا مَشَقَّةَ عليها فيه؛ لأنَّ تَرْكَها له كفِعْلِها لِما حَلَف عليها لتَتْرُكَه، وإن كان ممَّا فيه مَشَقّةٌ، فلا يَنْبَغِي أن يَسْقُطَ مِيراثُها بتَرْكِه، كما لو حَلَفَ عليها بتَرْكِ ما لا بُدّ لَها مِن فِعْلِه.
(1) في م: «ميراثها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُمْنَعُ مِن وَطْءِ زَوْجَتِه قبلَ فِعْلِ ما حَلَفَ عليه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. وقال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحَسَنُ، والشَّعْبِيُّ ومالكٌ، وأبو عُبَيدٍ: لا يَطَأُ حتى يَفْعَلَ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدمُ الفِعْلِ، ووقوعُ الطَّلاقِ. وروَى الأثْرَمُ عن أحمدَ مثلَ ذلك. وقال الأنْصارِيُّ، ورَبِيعةُ، ومالكٌ: يُضْرَبُ له أجَلُ المُولِي، كما لو حَلَفَ أن لا يَطَأَها. ولَنا، أنَّه نِكاحٌ صَحِيحٌ، لم يَقَعْ فيه طَلاقٌ ولا غيرُه من أسْبابِ التَّحْريمِ، فَحلَّ له الوَطْءُ فيه، كما لو قال: إن طَلَّقْتُكِ فأنتِ طالقٌ. وقولُهم: الأصْلُ عَدَمُ [الفِعْلِ، ووُقوعُ](1) الطَّلاقِ. قُلْنا: هذا الأصْلُ لم يَقْتَضِ وُقوعَ الطَّلاقِ، فلم يَقْتَضِ حُكْمَه، ولو وَقَعَ الطَّلاقُ بعدَ وَطْئِه لم يَضُرَّ، كما لو طَلَّقَها ناجِزًا، وعلى أنَّ الطَّلاقَ ههُنا إنَّما يَقَعُ في زمنٍ لا (2) يُمْكِنُ الوَطْءُ بعدَه، بخِلافِ قولِه: إن وَطِئْتُكِ فأنتِ طالقٌ.
فصل: إذاحَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شيئًا، ولم يُعَيِّنْ له وَقْتًا بلَفْظِه ولا نِيَّتِه، فهو على التَّراخِي أيضًا؛ لأنَّ لَفْظَه مُطْلَقٌ بالنِّسْبَةِ إلى الزَّمانِ كلِّه، فلا يَتَقَيُّدُ بدونِ تَقْييدِه، ولذلك لمَّا قال اللهُ تعالى في السَّاعةِ:{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} (3). وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة سبأ 3.
وَإِنْ قَال: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا. أَوْ: أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ، طَلُقَتْ.
ــ
عَمِلْتُمْ} (1). [كان ذلك](2) على التَّراخِي، ولَمّا قال الله:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (3). كان ذلك على التَّراخِي؛ فإنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في نوْبَةِ الحُدَيبِيَةِ في سنةِ ستٍّ، وتَأَخَّرَ الفَتْحُ إلى سَنَةِ ثَمانٍ. ولذلك رُوِيَ عن عمرَ، أنَّه قال: قلت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أوَ ليس كنتَ تُحَدِّثُنا أنَّا سَنَأْتي البَيتَ ونَتَطوَّفُ به؟ قال: «بَلَى، فَأَخْبَرتُكَ أنَّك آتِيهِ الْعَامَ؟» . قلتُ: لا. قال: «فَإنَّكَ آتِيهِ وَمُطوِّفٌ بهِ» (4). وهذا لا خِلافَ فيه نَعْلَمُه.
(1) سورة التغابن 7.
(2)
في م: «وذلك» .
(3)
سورة الفتح 27.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب الشروط في الجهاد. . . .، من كتاب الشروط. صحيح البخاري 3/ 256. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 330.