الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأهْلِكِ، فَإِنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَلَا شَىْءَ. وَعَنْهُ، إِنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ.
ــ
3476 - مسألة: (وإذا قال: وَهَبْتُكِ لأهْلِكِ. فإن قَبِلُوها فواحِدَةٌ، وإن رَدُّوها فلا شئَ. وعنه، إنْ قَبِلُوها فثلاثٌ، وإن رَدُّوها فواحِدَةٌ. وكذلك إذا قال: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ)
الرِّوايةُ الأُولَى هى المشْهورةُ عن أحمدَ. نَصَّ عليها. وبه قال ابنُ مسعودٍ، وعَطاءٌ، ومَسْروقٌ، والزُّهْرِىُّ، ومَكْحولٌ، ومالكٌ، وإسْحاقُ. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، والنَّخَعِىِّ: إن قَبِلُوها فَواحِدَةٌ بائنةٌ، وإنْ لم يَقْبَلُوها فواحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. ورُوِى عن أحمدَ مثلُ ذلك. وعن زيدِ بنِ ثابتٍ، والحسنِ: إن قَبِلُوها فثَلاثٌ، [وإن لم يَقْبَلوها فواحدةٌ رجْعِيَّةٌ. ورُوى عن أحمدَ مثلُ ذلك](1).
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال رَبِيعةُ، ويحيى بنُ سعيدٍ، وأبو الزِّنَادِ، ومالكٌ: هى ثلاثٌ على كلِّ حالٍ، قَبِلُوها أو رَدُّوها. وقال أبو حنيفةَ فيها كقَوْلِه في الكِنايةِ الظَّاهرةِ، ومثلَه قال الشافعىُّ. واخْتلَفا ههُنا بِناءً على اخْتِلافِهما ثَمَّ. ولَنا على أنَّها لا تَطْلُقُ إذا لم يَقْبَلُوها، أنَّه تَمْلِيكٌ للبُضْعِ، فافْتَقَرَ فيه إلى القَبُولِ، كقولِه: اخْتارِى. و: أمْرُكِ بيَدِك. وكالنِّكاحِ. وعلى أنَّها لا تكونُ ثلاثًا، أنَّه لفْظٌ مُحْتَمِلٌ، فلا يُحْمَلُ على الثَّلاثِ عندَ الإِطْلاقِ، كقولِه: اخْتارِى. وعلى أنَّها رَجْعِيَّة، أنَّها طَلْقةٌ لمَنْ عليها عِدَّةٌ بغيرِ عِوَضٍ، قبلَ اسْتِيفاءِ العَددِ، فكانت رجْعِيَّةً، كقولِه: أنتِ طالقٌ (1). وقولُه: إنَّها واحدةٌ. مَحْمولٌ على ما إذا أطْلَقَ النِّيَّةَ، أو نَوَى واحدةً، فأمَّا إن نَوَى ثلاثًا، أو اثْنَتَيْنِ، فهو على ما نَوَى؛ لأنَّها كنايةٌ غيرُ ظاهرةٍ، فيُرْجَعُ إلى نِيَّتِه في عَدَدِها، كسائِرِ الكِناياتِ. ولابدَّ مِن أن يَنْوِىَ بذلك الطَّلاقَ،
(1) بعده في م: «ثنتين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو تكونَ ثَمَّ دَلالَةُ حالٍ؛ لأنَّها كنايةٌ، ولابُدَّ [من النِّيَّةِ في الكِنايةِ كذلك] (1). قال القاضى: ويَنْبَغِى أن تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ مِن الذى يَقْبَلُ أيضًا، كما تُعْتَبَرُ في اخْتِيارِ الزَّوْجَةِ إذا قال لها: اخْتارِى. أو: أمْرُكِ بيَدِك. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ صِيغةَ (2) القَبُولِ أن يقولَ أهلُها: قَبِلْناها. نَصَّ عليه أحمدُ. والحُكْمُ في هِبَتِها لنَفْسِها أو لأجْنَبِىٍّ، كالحُكْمِ في هِبَتِها لأهْلِها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ باعَ امرأتَه لغيرِه، لم يَقَعْ به طَلاقٌ وإن نَوَى. [وبه](1) قال الثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ. وقال مالكٌ: تَطْلُقُ واحدةً، وهى أمْلَكُ بنَفْسِها؛ لأنَّه أتَى بما يَقْتَضِى خُروجَها عن مِلْكِه، أشْبَهَ ما لو وَهَبَها. ولَنا، أنَّ البَيْعَ لا يتَضَمَّنُ معنى الطَّلاقِ؛ لأنَّه نقلُ مِلْكٍ بعِوَضٍ، والطَّلاقُ مُجَرَّدُ إسْقاطٍ لا يَقْتَضِى العِوَضَ، فلم يَقَعْ به طَلاقٌ، كقولِه: أطْعِمينِى واسْقِينِى.
فصولٌ في قولِ الزَّوْجِ لامْرأتِه: أمْرُكِ بيَدِكِ: قد ذكَرْنا أنَّ الزَّوجَ إذا قال لامْرأتِه: أمْرُكِ بيَدِكِ. أنَّه في يَدِها ما لم يَفْسَخْ أو يَطَأْ؛ لأَنَّ الزَّوجَ مُخَيَّرٌ بينَ أن يُطَلِّقَ بنَفْسِه (2)، وبين أن يُوَكِّلَ فيه، وأنْ يُفَوِّضَه إلى المرأةِ، ويَجْعلَه إلى اخْتِيارِها؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ نِساءَه فاخْتَرْنَه (3). ومتى جَعلَ أمْرَ امْرأتِه بيَدِها، لم يَتَقيَّدْ بالمجلسِ. رُوِى ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال الحَكَمُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال مالكٌ، والشافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى: هو مقْصورٌ على المجلسِ، كقولِه: اخْتارِى. ولَنا، قولُ علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، في رجلٍ جَعلَ أمْرَ امْرأتِه بيَدِها، قال: هو لها حتى تَنْكِلَ (4). ولأنَّه نَوْعُ تَوْكيلٍ في الطَّلاقِ،
(1) في الأصل: «فيه» .
(2)
في الأصل: «نفسه» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 290 في حديث: قد خيرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقًا؟
(4)
في الأصل: «تنكلى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان على التَّراخِى،؛ كما لو جَعَلَه لأجْنَبِىٍّ. فإنْ رَجَعَ الزَّوجُ فيما جعلَ إليها، أو قال: فَسَخْتُ ما جعَلْتُ إليكِ. بَطَلَ. وبذلك قال عطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والأوْزاعِىُّ، وإسْحاقُ. وقال الزُّهْرِىُّ، والثَّوْرِىُّ، ومالكٌ، وأصحابُ الرَّأْى: ليس له الرُّجوعُ؛ لأنَّه مَلَّكها ذلك، فلم يَمْلِكِ الرُّجوعَ، كما لو طَلقَتْ. ولَنا، أنَّه توكيلٌ، فكان له الرُّجوعُ فيه، كالتَّوكيلَ في البيعَ، وكما لو وَكَّل في ذلك أجْنَبِيًّا. ولا يَصِحُّ قوْلُهم: تَمْلِيكًا؛ لأَنَّ الطَّلاقَ لا يَصِحُّ تَمْلِيكُه، ولا يَنْتَقِلُ عن الزَّوجِ، وإنَّما يَنُوبُ غيرُه فيه عنه، وإن سُلِّمَ أنَّه تَمْلِيكٌ، فالتَّمْلِيكُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فيه قبلَ اتِّصالِ (1) القَبُولِ به، كالبَيْعِ. وإن وَطِئَها الزَّوجُ كان رُجوعًا؛ لأنَّه نوعُ تَوْكيلٍ، والتَّصَرُّفُ فيما وَكَّلَ فيه يُبْطِلُ الوَكالةَ. وإن ردَّتِ المرأةُ ما جُعِلَ إليها، بَطَلَ، كما تَبْطُلُ الوكالةُ برَدِّ الوكيلِ.
فصل: ولا يقَعُ الطَّلاقُ بمُجَرَّدِ هذا القولِ، ما لم يَنْوِ به إيقاعَ طَلاقِها في الحالِ، أو تُطَلِّقْ نفْسَها. ومتى رَدَّتِ الأمْرَ الذى جُعِلَ إليها، بَطَلَ، ولم يَقَعْ شئٌ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم ابنُ عمرَ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، ومَسْروقٌ، وعَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والزُّهْرِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ. وقال قَتادةُ: إن رَدَّتْ فوَاحِدَةٌ رَجْعيَّةٌ. ولَنا، أنَّه توكيل رَدَّه الوكيلُ، أو تَمْليكٌ لم يَقْبَلْه
(1) في م: «إيصال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُمَلَّكُ، فلم يَقَعْ به شئٌ، كسائِرِ التَّوكيلِ والتَّمْليكِ. فأمَّا إن نَوَى بهذا تَطْلِيقَها في الحالِ، طَلُقَتْ في الحالِ، ولم يَحْتَجْ إلى قَبُولِها، كما لو قال: حَبْلُكِ على غارِبِكِ.
فصل: فإن قالت: اخْتَرْتُ نَفْسِى. فَهِىَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. رُوِى ذلك عن عمرَ، [وابنِ مسعودٍ](1)، وابنِ عباسٍ. وبه قال عمرُ بنُ عبدِ العزِيزِ، والثَّوْرِىُّ، وابنُ أبى ليلَى، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ. ورُوِىَ عن علىٍّ أنَّها واحدةٌ بائنةٌ. وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه؛ لأَنَّ تَمْلِيكَه إيَّاها أمْرَها يَقْتَضِى زَوالَ سُلْطانِه عنها، فإذا قَبِلَتْ ذلك بالاخْتِيارِ، وَجبَ أن يَزُولَ عنها، ولا يَحْصُلُ (2) ذلك مع بقاءِ الرَّجْعَةِ. وعن زيدِ بنِ ثابتٍ أنَّها ثلاثٌ. وبه قال الحسَنُ، ومالكٌ، واللَّيْثُ، إلَّا أنَّ مالِكًا قال: إذا لم تَكُنْ مَدْخولًا بها قُبِلَ منه، إذا أرادَ واحدةً أو اثْنَتَيْنِ. وحُجَّتُهم أنَّ ذلك يَقْتَضِى زَوالَ سُلْطانِه عنها، ولا يكونُ ذلك إلَّا بثلاثٍ. وفى قولِ مالكٍ أنَّ غيرَ المدْخولِ بها يَزُولُ سُلْطانُه عنها بواحدةٍ، فاكْتُفِىَ بها. ولَنا، أنَّها لم تُطَلِّقْ. بلَفْظِ الثَّلاثِ، ولا نَوَتْ ذلك، فلم تَطْلُقْ ثلاثًا، كما لو أتَى الزَّوجُ بالكِناياتِ الخَفِيَّةِ. وهذا إذا لم تَنْوِ إلَّا واحدةً، فإن نَوَتْ أكْثَرَ منها، وقَعَ ما نَوَتْ، لأنَّها تَمْلِكُ الثَّلاثَ بالتَّصْريحِ، فتَمْلِكُها بالكِناياتِ، كالزَّوْجِ. وهكذا إن أتَتْ بشئٍ مِن الكناياتِ، فحُكْمُها فيها حُكْمُ الزَّوجِ، إن كانت ممَّا يَقَعُ بها الثَّلاثُ مَّنَ الزَّوجِ، وقَعَ بها الثَّلاثُ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «يجعل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا أتَتْ بها، وإن كانتْ مِنَ الكناياتِ الخَفِيَّةِ، نحوَ قولِها: لا تَدخُلْ علىَّ. ونحوَها، وقعَ ما نَوَتْ. قال. أحمدُ: إذا قال لها: أمْرُكِ بيَدِك. فقالتْ: لا تَدْخُلْ علىَّ إلَّا بإذْنٍ، تَنْوِى (1) في ذلك، إن قالتْ: واحدةً. فواحدةٌ، وإن قالت: أرَدْتُ أن أغِيظَه. قُبِلَ منها. يعنى لا يَقَعُ شئٌ. وكذلك إن جَعلَ أمْرَها بيدِ أجْنَبِىٍّ، فأتَى بهذه الكناياتِ، لا يَقَعُ شئٌ حتى يَنْوِىَ الوكيلُ الطَّلاقَ. ثم إن طَلَّقَ بلفظٍ صَريحٍ ثلاثًا، أو بكنايةٍ ظاهرةٍ، وقَعَتِ الثَّلاثُ، وإن كان بكنايةٍ خَفِيَّةٍ، وقَعَ ما نَوَاه.
(1) في النسختين: «سواء» . والمثبت كما في المغنى 10/ 383.