الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِى نَفْسَكِ. لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ الَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلَّا مَا دَامَتْ فِى الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
ــ
فكان على التَّراخِى، كالتَّوْكيلِ في البَيْعِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ له أن يُطَلِّقَ ما لم يَفْسَخْ أو يَطَأْ، وله أَنْ يُطَلِّقَ ثلاثًا وواحدةً، كالمرأةِ. فإنْ فَسَخَ الوَكالةَ، بطلَتْ، كسائِرِ الوَكالاتِ، وكذلك إن وَطِئَها؛ لأنَّه يدُلُّ على الفَسْخِ، أشْبَهَ ما لو فَسَخَ بالقَوْلِ.
3469 - مسألة: (وإن قال: اخْتَارِى نَفْسَكِ. لم يَكُنْ لها أن تُطَلِّقَ أكْثَرَ مِن واحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إليها أكْثَرَ مِن ذلك، وليس لها أن تُطَلَّقَ إلَّا ما دَامَتْ في المَجْلِسِ، ولم يتشاغلا بما يَقْطَعُه)
وجملةُ ذلك، أنَّ لفظَةَ التَّخْييرِ لا تَقْتَضِى بمُطْلَقِها أكْثَرَ مِن طَلْقةٍ رَجْعِيَّةٍ. قال أحمدُ: هذا قولُ ابنِ عمرَ، وابنِ مسعودٍ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وعمرَ، وعائشةَ، رَضِىَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّهُ عنهم. ورُوِىَ ذلك عن جابرٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو (1). وقال أبو حنيفةَ: هى واحدةٌ بائنةٌ. وهو قولُ ابنِ شُبْرُمَةَ؛ لأَنَّ اخْتِيارَها نَفْسَها يَقْتَضِى زَوالَ سُلْطانِه، ولا يكونُ إلَّا بالبَيْنُونةِ. وقال مالكٌ: هى ثلاثٌ في المدْخولِ بها؛ لأَنَّ المدخولَ بها لا تَبِينُ إلَّا بالثَّلاثِ، إلَّا أن تكونَ بعِوَضٍ (2). ولَنا، إجْماعُ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فإنَّ مَن سَمَّيْنا منهم قالوا: إنِ اخْتَارَتْ نَفْسَها، فهى واحدةٌ، وهو أحَقُّ بها. روَاه النَّجَّادُ عنهم بأسانِيدِه. ولأَنَّ قولَه: اخْتارِى. تَفْويضٌ مُطْلَقٌ، فيتَنَاولُ (3) أقَلَّ ما يقَعُ عليه الاسمُ، وذلك طلقةٌ واحدةٌ، ولا تكونُ بائنًا؛ لأنَّها طَلْقةٌ بغير عِوَضٍ، لم يَكْمُلْ بها العَدَدُ بعدَ الدُّخولِ، فأشْبَهَ ما لو طَلَّقَها واحدةً (4). ويخالفُ قولَه: أمْرُكِ بيَدِك. فإنَّه للعُموم؛ لأنَّه اسمُ جِنْسٍ مُضافٌ، فيَتناولُ جميعَ أمْرِها. لكنْ إنْ جعلَ لها أكثرَ مِن ذلك، فلها ما جَعَلَ إليها، سَواء جَعلَه بلَفْظِه، بأنْ يقولَ: اخْتارِى ما شِئْتِ -أو- اخْتارِى الطَّلَقاتِ إن شِئْتِ. فلها أن تخْتارَ ذلك، أو جعلَه
(1) في م: «عمر» .
(2)
في الأصل: «بعرض» .
(3)
في الأصل: «فيه تأول» .
(4)
بعده في م: «ولا تكون بائنا؛ لأنها طلقة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بنِيَّتِه، وهو أن يَنْوِىَ بقولِه: اخْتارِى. عَددًا، فإنَّه يُرْجَعُ إلى ما نَوَاه؛ لأَنَّ قولَه: اخْتارِى. كنايةٌ خَفِيَّةٌ، فيُرْجَعُ في [قَدْرِ ما يَقَعُ بها](1) إلى نِيَّتِه، كسائرِ الكناياتِ الخَفِيَّةِ. فإن نَوَى ثلاثًا أوِ اثْنَتَيْن أو واحدةً، فهو على ما نَوَى، وإن أطْلَقَ (2) فهى واحدةٌ، وإن نوَى ثلاثًا فطَلَّقَتْ أقلَّ منها، وقعَ ما طَلَّقَتْه؛ لأنَّه يُعْتَبَرُ قولُهما (3) جميعًا، كالوَكِيلَيْنِ إذا طَلَّقَ أحدُهما واحدةً والآخَرُ ثلاثًا.
(وليس لها أن تُطَلِّقَ إلَّا ما دامَتْ في المجلسِ، ولم يتَشاغَلا بما يَقْطَعُه) هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ، أنَّ التَّخْييرَ على الفَوْرِ إنِ اخْتارَتْ في وَقْتِها، وإلَّا فلا خِيارَ لها بعدَه. رُوِى ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، وابنِ مسعودٍ، وجابرٍ. وبه قال عَطاءٌ، وجابرُ بنُ زيدٍ، ومُجاهِدٌ، والشعبىُّ، والنَّخَعِىُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ
(1) في م: «قدرها» .
(2)
في الأصل: «طلق» .
(3)
في الأصل: «قولها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّأْى. وقال الزُّهْرِىُّ، وقَتادةُ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ، ومالكٌ في روايةٍ: هو على التَّراخِى، ولها الاخْتيارُ في المجلسِ وبعدَه، ما لم يَفْسَخْ أو يَطَأْ. واحْتَجَّ ابنُ المُنْذِرِ بقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ:«إنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فَلَا عَليْكِ أن لا تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أبَوَيْكِ» (1). وهذا يَمْنَعُ قَصْرَه على المجلسِ. ولأنَّه جعلَ أمْرَها إليها، أشْبَهَ ما لو قال: أمْرُكِ بيَدِك. ولَنا، أنَّه قولُ مَن سَمَّيْنا مِن الصَّحابةِ، فرَوَى النّجَّاد (2) بإسْنادِه، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، أنَّه قال: قَضَى عمرُ وعثمانُ، في الرَّجلِ يُخَيِّرُ امْرأتَه، أنَّ لَها الخِيارَ ما لم يتَفَرَّقا (3). وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، قال: ما دامتْ في مَجْلِسِها. ونحوُه عن ابنِ مسعودٍ وجابرٍ (4). ولم نعْرِفْ لهم (5) مُخالفًا في الصحابةِ، فكان إجْماعًا. ولأنَّه خِيارُ تَمْلِيكٍ، فكان على الفَوْرِ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب الغرفة والحلية المشرفة. . .، من كتاب المظالم، وفى: باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 3/ 176، 177، 6/ 147. ومسلم، في: باب بيان أن تخيير امرأته لا يبهون طلاقا إلَّا بالنية، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم 2/ 1103، 1105. والترمذى، في: باب ومن سورة التحريم، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 215، 216. والنسائى، في: باب ما افترض اللَّه عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم. . .، من كتاب النكاح، وفى: باب التوقيت في الخيار، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 45، 46، 130. وابن ماجه، في: باب الرجل يخير امرأته، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 662. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 328، 6/ 78، 153، 163، 173، 240، 248، 264.
(2)
وانظر ما أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 525. وابن أبى شيبة، في: المصنف 5/ 62.
(3)
في الأصل: «يفترقا» .
(4)
أخرجه عنهما عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 524، 525. وابن أبى شيبة، في: المصنف 5/ 62.
(5)
في م: «لهما» .