الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قُدِمَ بِهِ مَيَّتًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ تَطْلُقْ.
ــ
3539 - مسألة: (وإن قُدِمَ به مَيِّتًا أو مُكْرَهًا، لم تَطْلُقْ)
إذا كان مَحْمولًا (1)؛ لأنَّه لم يَقْدَمْ، وإنَّما قُدِمَ به. وهذا قولُ الشافعيِّ. ونُقِلَ عن أبي بكر أنَّه يَخْنَثُ؛ لأنَّ الفِعْلَ يُنْسَبُ إليه، ولذلك يُقالُ: دَخَلَ الطَّعامُ البلدَ. إذا حُمِلَ إليه، ولو قال: أنتِ طالقٌ إذا دَخلَ الطَّعامُ البَلدَ. طَلُقَتْ إذا حْمِلَ إليه. ولَنا، أنَّ الفِعْلَ ليس منه، والفعلُ لا يُنْسَبُ
(1) بعده في م: «لم تطلق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى غيرِ فاعلِه إلَّا مَجازًا، والكلامُ عندَ [إطْلاقِه لحقيقتِه](1) إذا أمْكَنَ. فأمَّا الطَّعامُ، فلا يُمْكِنُ وُجودُ الفعلِ منه حَقِيقةً، فتَعَيَّنَ حَمْلُ الدُّخولِ فيه على مَجازِه. فأمَّا إن قَدِمَ بنَفْسِه لإكْراهٍ، فعلى قولِ الخِرَقِيِّ: لا يَخْنَثُ. وهو أحَدُ الوَجْهَينِ لأصحابِ الشافعيِّ. وقال أبو بكر: يخْنَثُ. وحكَاه عن أحمدَ؛ لأنَّ الفعلَ منه حَقِيقةً، ويُنْسَبُ إليه، قال الله تَعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} (2). ويَصِحُّ أمْرُ المُكْرَهِ بالفعلِ، قال اللهُ تعالى:{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} (3). ولولا أنَّ الفِعْلَ يتحَقُّقُ منه، لَما صَحَّ أمْرُه به. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه بالإكْراهِ زال (4) اخْتِيارُه، فإذا وُجِدَتِ الصِّفَةُ منه، كان كوُجودِ الطَّلاقِ منه، وهذا فيما إذا أطْلَقَ. وإن كانتْ له نِيَّةٌ، حُمِلَ عليها كلامُه، وتَقَيَّدَ بها.
فصل: فإن قَدِمَ مُخْتارًا، حَنِثَ الحالِفُ، سواءٌ عَلِمَ القادِمُ باليَمينِ أو جَهِلَها. قال أبو بكر الخلَّالُ: يَقَعُ الطَّلاقُ، قَوْلًا واحدًا. وقال أبو عبدِ اللهِ بنُ حامدٍ: إن كان القادِمُ ممَّن لا [يَمْتَنِعُ مِن](5) القُدُومِ بيَميِنه،
(1) في م: «تحقيقه» .
(2)
سورة الزمر 71.
(3)
سورة الزمر 72، وسورة غافر 76.
(4)
في الأصل: «أزال» .
(5)
في م: «يمنع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالسُّلْطانِ، والحاجِّ، والرجُلِ الأجْنَبِيِّ، حَنِثَ الحالِفُ، ولا يُعْتَبَرُ عِلْمُه ولا جَهْلُه، وإن كان ممَّن يَمْتَنِعُ باليمينِ مِنَ القُدُومِ، كقَرابةٍ لهما، أو لأحدِهما، أو غلامٍ لأحدِهما، فجهِلَ اليَمِينَ، أو نَسِيَها، فالحُكْمُ فيه كما لو حَلَفَ على فعْلِ نفْسِه ففَعَلَه جاهِلًا أو ناسِيًا، وفي ذلك رِوَايتان، كذلك ههُنا؛ وذلك لأنَّه إذا لم يَكُنْ ممَّن تَمْنعُه اليَمِينُ، كان تَعْليقًا للطَّلاقِ على صِفَةٍ، ولم يكُنْ يمِينًا، فأشْبَهَ ما لو عَلَّقَه على طُلوعِ الشَّمْسِ، وإن كان ممَّن يَمْتَنِعُ، كان يمينًا، فيُعْذرُ فيها بالنِّسْيانِ والجَهْلِ، ويَنْبَغِي أن تُعْتَبَرَ على هذا القولِ نِيَّةُ الحالِفِ، وقَرائنُ أحْوالِه الدَّالَّةُ على قَصْدِه، فإن كان قَصْدُه بيَمِيِنه مَنْعَ القادِمِ مِن القُدومِ، كان يَمِينًا، وإن كان قَصْدُه جَعْلَه صِفَةً في طَلاقِها مُطْلَقَةً، لم يَكُنْ يمينًا، ويَسْتَوي فيه عِلْمُ القادِمِ وجَهْلُه، ونِسْيانُه، وجُنونُه وإفَاقَتُه، مثلَ أن يقْصِدَ طَلاقَها إذا حصَلَ معها مَحْرَمُها، ولا يُطَلِّقَها وحْدَها، وتُعْتَبَرُ قَرائنُ الأحْوالِ؛ فمتى علَّقَ اليمينَ على قُدُومِ غائبٍ بعيدٍ، يَعْلَمُ أنَّه لا يَعْلَمُ اليَمِينَ، ولا يَمْتَنِعُ بها، أو على (1) فعلِ صغيرٍ أو مَجْنونٍ، أو مَن لا يَمْتَنِعُ بها، لم تَكُنْ يَمِينًا. وإن علَّقَ ذلك على فعْلِ حاضر يَعْلَمُ بيَمِيِنه، ويَمْتَنِعُ لأجْلِها مِن فِعْلِ ما علَّقَ الطَّلاقَ عليه، كان يَمِينًا. ومتى أشْكَلَتِ الحالُ، فيَنْبَغِي أن يَقَعَ الطَّلاقُ؛ لأنَّ لفْظَه يَقْتَضِي وُقوعَ الطَّلاقِ عندَ وُجودِ هذه الصِّفَةِ على العُمومِ، وإنَّما ينْصَرِفُ عن ذلك بدَليلٍ، فمتى شَكَكْنا في الدَّليلِ
(1) زيادة من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُخَصِّصِ (1)، وجبَ العملُ بِمُقْتَضَى العُمومِ.
فصل: فإن قال: إن تَرَكْتِ هذا الصَّبِيَّ يَخْرُجُ فأنتِ طالقٌ. فانْفَلَتَ الصَّبِيُّ بغيرِ اخْتِيارِها، فخَرَجَ، فإنْ كان نوَى أن لا يَخْرُجَ قد حَنِثَ، وإن نَوَى أن لا تَدَعَه لم يَحْنَثْ. نَصَّ أحمدُ على معْنى هذا؛ وذلك لأنَّ اليَمِينَ إذا وَقَعتْ على فِعْلِها، فقد فَعَلَ الخُروجَ [مِنِ غيرِ](2) اخْتيارٍ منها، فكانتْ كالمُكْرَهِ إذا (3) لم يُمْكِنْها حِفْظُه وَمَنْعُه. وإن نوَى فِعْلَه، فقد وُجِدَ، وحَنِثَ. وإن لم تُعْلَمْ نِيَّتُه، انْصَرَفَتْ يَمِينُه إلى فِعْلِها؛ لأَنه الذي تَناوَلُه لَفْظُه، فلا يَحْنَثُ إلَّا إذا خَرَجَ بَتَفْرِيطِها في حِفْظِه أو باخْتِيارِها.
فصل: فإن حَلَفَ: لا تأْخُذُ حَقُّكَ مِنِّي. فأُكرِهَ على دَفْعِه إليه (4)، أو أخَذَه منه قَهْرًا، حَنِثَ؛ لأنَّ المحْلوفَ عليه فِعْلُ الأخْذِ، وقد أخَذَه مُخْتارًا. وإن أُكْرِهَ صاحبُ الحَقِّ على أخْذِه، خُرِّجَ على الوَجْهَينِ في مَن أُكْرِهَ على القُدُومِ. وإن وَضَعَه الحالِفُ في حِجْرِه (5) أو بينَ يَدَيه، أو إلى (4) جَنْبِه، فلم يَأْخُذْه، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ الأخْذَ ما وُجدَ. وإن أخَذَه الحاكمُ أو السُّلْطانُ مِن الغَرِيمِ، فدَفَعَه إلى المُسْتَحِقِّ فأَخَذَه، فقال القاضي: لا يَحْنَثُ. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه ما أخَذَه منه. وإن قال:
(1) في الأصل: «المختص» .
(2)
في م: «بغير» .
(3)
كذا في النسختين، وفي المغني 10/ 488:«إذ» .
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «حجه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا تَأْخُذْ حَقَّك عَلَيَّ. حَنِثَ؛ لأنَّه قد أخَذَ حَقَّه الذي عليه. والمنْصوصُ عن أحمدَ، أنَّه يَحْنَثُ في الصُّورَتَين. قاله أبو بكرٍ. وهو الذي يَقْتَضِيه مذهَبُه؛ لأنَّ الأيمانَ عندَه على الأسْبابِ، لا على الأسْماءِ، ولأنَّه لو وكَّلَ وكيلًا فأخذه (1) منه، كان آخِذًا لحَقِّه منه عُرْفًا، ويُسَمَّى آخِذًا؛ قال اللهُ تعالى:{وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (2). وقال: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (3). وإن كان اليمينُ مِن صاحبِ الحقِّ، فحَلَفَ: لا أخَذْتُ حَقِّي منك (4). فالتَّفْريعُ فيها كالتي قبلَها. فإن تَرَكهَا الغَرِيمُ في أثْناءِ مَتاعٍ في خُرْجٍ (5)، ثم دفَع الخُرْجَ إلى الحالفِ، فأخَذه ولم يَعلَمْ أنَّها فِيه، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ هذا ليس بمعدودٍ أخذًا، ولا يَبْرأُ به الغَرِيمُ منها. فإن كانتِ اليَمِينُ: لا أُعْطيكَ حَقَّك. فأَخَذَه الحاكمُ منه كُرْهًا، ودَفَعَه إلى الغَرِيمِ، لم يَحْنَثْ. وإن أكْرَهَه على دَفْعِه إليه، خُرِّجَ على الوَجْهَينِ في المُكْرَهِ. وإن أعطاه باخْتِيارِه، حَنِثَ. وإن وَضَعَه في حِجْرِه، أو جَيبِه، أو صُنْدوقِه، وهو يَعلُم، حَنِثَ؛ لأنَّه أعْطاه. وإن دَفَعَه إلى الحاكِمِ اخْتيارًا ليَدْفَعَه إلى الغَرِيمِ، فدَفَعه، أو أخَذَه مِن مالِه باخْتِيارِه، فدَفَعَه إلى الغَرِيمِ، حَنِثَ. وقال القاضي: لا يَحْنَثُ. [وقياسُ](6)
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة النساء 154، وسورة الأحزاب 33.
(3)
سورة المائدة 12.
(4)
سقط من: م.
(5)
الخرج: وعاء من شعر أو جلد، ذو عدلين، يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه.
(6)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ أنَّه يَحْنَثُ؛ لأنَّه أوْصَلَه إليه مُخْتارًا، فأشْبَهَ ما لو دَفَعَه إلى وَكيِله فأعْطاه إيَّاه، ولأنَّ الأيمانَ على الأسْبابِ، لا على الأسْماءِ، على ما ذكَرْناه فيما مَضَى.
فصل: فإن قال: إن رأيتِ أباكِ فأنتِ طالقٌ. فرأتْه مَيِّتًا، أو نائمًا، أو مُغْمًى عليه، أو رَأتْه مِن خَلْفِ زُجاجٍ، أو جِسْمٍ شَفَّافٍ، طَلُقَتْ؛ لأنَّها رأتْه، وإن رأتْ خَياله في ماءٍ، أو مِرْآةٍ، أو صُورتَه (1) على حائطٍ، أو غيرِه، لم تَطْلُقْ؛ لأنَّها لم تَرَه، وإن أُكْرِهَتْ على رُؤْيَتِه، خُرِّجَ على الوَجْهَينِ.
(1) في م: «ضوءه» .