الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ، قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، فَهُوَ إِكْرَاهٌ. وَعَنْهُ، لَا يَكُونُ مُكْرَهًا، حَتَّى يُنَالَ بِشَىْءٍ مِنَ الْعَذَابِ؛ كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ
ــ
ويدخلُ في هذا المعنى المُبَرْسَمُ والمجنونُ. ولأنَّه قولُ مَن سَمَّيْنَا مِن الصَّحابةِ، ولا مُخالِفَ لهم في عصْرِهم، فيكونُ إجْماعًا، ولأنَّه قولٌ حُمِلَ عليه بغيرِ حَقٍّ، فلم يَثْبُتْ له حُكمٌ، ككلمةِ الكُفْرِ إذا أُكْرِهَ عليها.
فصل: وإنْ كان الإِكْراهُ بحَقٍّ، نحوَ إكْراهِ الحاكمِ المُولِيَ على الطَّلاقِ بعدَ التَّرَبُّصِ إذا لم يَفِئْ، أو إكراهِه الرَّجُلَيْن اللَّذَيْن زَوَّجَهُما الوَلِيَّانِ -ولم يُعْلَمِ (1) السَّابِقُ منهما- على الطَّلاقِ، فإنَّه يَقَعُ عليه (2)؛ لأنَّه قولٌ حُمِلَ عليه بِحَقٍّ، فصَحَّ، كإسْلامِ المُرْتَدِّ إذا أُكْرِهَ عليه، ولأنَّه إنَّما جازَ إكْراهُه على الطَّلاقِ ليَقَعَ طَلاقُه، فلو لم يَقَعْ لم يَحْصُلِ المقْصودُ.
3424 - مسألة: (وإن هَدَّدَه بِالقَتْلِ وأخْذِ المالِ ونحوِه، قَادِرٌ يَغْلِبُ على ظَنِّه وُقُوعُ ما هَدَّدَهُ بِهِ، فهو إكْرَاهٌ. وعنه، لا يَكونُ مُكْرَهًا حتى يُنَالَ بشَئٍ مِن العَذَابِ؛ كالضَّرْبِ، والخَنْقِ، وعَصْرِ السَّاقِ
.
(1) في الأصل: «يعلق» .
(2)
سقط من: م.
السَّاقِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِىُّ.
ــ
واخْتارَه الخِرَقِىُّ) أمَّا إذا نِيلَ بشئٍ مِن العذابِ؛ كالضَّربِ، والخَنْقِ، والعَصْرِ، والحبْسِ، والغَطِّ في الماءِ مع الوعيدِ، فإنَّه يكونُ إكْراهًا بلا إشْكالٍ، لِما رُوِىَ أنَّ المُشرِكينَ أخَذُوا عمَّارًا، فأرادُوه على الشِّرْكِ، فأعْطاهم، فانْتَهَى (1) إليه النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهو يَبْكِى، فجَعَلَ يَمْسَح الدُّموعَ عن عَيْنَيْه، ويقولُ:«أَخَذَكَ المُشْرِكُونَ فَغَطَّوْكَ فِى الْمَاءِ، وَأَمَرُوكَ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، فَفَعَلْتَهُ، فَإنْ أخَذُوكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَافْعَلْ ذَلِكَ بِهِمْ» . رَواه أبو حفصٍ بإسْنادِه (2). وقال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: ليس الرَّجُلُ أمِينًا على نَفْسِه إذا أَجَعْتَهُ (3)، أو ضَرَبْتَه، أو أوْثَقْتَه (4). وهذا يَقْتَضِى وُجودَ فعلٍ يكونُ به إكْراهًا. فأمَّا الوَعِيدُ بمُفْرَدِه، فعن أحمدَ فيه رِوَايتانِ؛
(1) في م: «فأتى» .
(2)
أخرجه بنحوه ابن سعد، في: الطبقات الكبرى 3/ 249.
(3)
في م: «أوجعته» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 411. والبيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 359.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إحداهما، ليس بإكْراهٍ؛ لأَنَّ الذى وَرَدَ الشَّرْعُ بالرُّخْصَةِ معه هو ما وردَ في حديثِ عمَّارٍ، وفيه:«إنَّهُمْ أخَذُوكَ فَغَطُّوْكَ فِى الْمَاءِ» . فلا يَثْبُتُ الحُكمُ إلَّا فيما كان مثلَه. والثانيةُ، أنَّ الوَعيدَ بمُفْرَدِه إكْراهٌ. قال في رِوايةِ ابنِ مَنْصورٍ: حَدُّ الإِكْراهِ إذا خافَ القَتْلَ أو ضَرْبًا شديدًا. وهذا قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ. وبه يقولُ أبو حنيفةَ، والشافعىُّ؛ لأَنَّ الإِكْراهَ لا يكونُ إلَّا بالوَعيدِ، فإنَّ الماضِىَ مِن العُقُوبَةِ لا يَنْدَفِعُ بفِعْلِ ما أُكْرِهَ عليه، ولا يَخْشَى مِن وُقُوعِه، وإنَّما أُبِيحَ له فِعْلُ المُكْرَهِ عليه دَفْعًا لِما يُتَوعَّدُ به مِنَ العُقُوبةِ فيما بعدُ، وهو في الموْضِعَيْن واحدٌ، ولأنَّه متى تُوُعِّدَ بالقَتْلِ وعَلِمَ أنَّه يَقْتُلُه، فلم يُبَحْ له الفِعْلُ (1)، أفْضَى إلى قَتْلِه، وإفضائِه بيَدِه إلى التَّهلُكَةِ، ولا يُفيدُ ثُبُوتُ الرُّخْصَةِ بالإِكْراهِ شيئًا؛ لأنَّه إذا طَلَّقَ في هذه الحالِ، وقعَ طَلاقُه، فيَصِلُ المُكْرِهُ إلى مُرادِه، ويَقعُ الضَّرَرُ بالمُكْرَهِ، وثُبُوتُ الإِكْراهِ في حَقِّ مَن نِيلَ بشئٍ مَن العَذابِ لا يَنْفِى ثُبوتَه في حَقِّ
(1) في م: «فعل ما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرِه، وقد رُوِى عن عمرَ في الذى تَدَلَّى يَشْتارُ عَسَلًا (1)، فَوقَفتِ امْرأتُه على الحَبْلِ (2) وقالت: طلِّقْنِى ثلاثًا وإلَّا قَطَعْتُه. فذَكَّرَها اللَّهَ والإِسْلامَ، فقالت: لتَفْعَلَنَّ أو لأفْعَلَنَّ. فطَلَّقَها ثلاثًا، [فرَدَّه إليها](3). روَاه سعيدٌ بإسْنادِه (4). وهذا كان وَعِيدًا.
فصل: ومِن شَرْطِ الإِكْراهِ ثَلاثةُ أمورٍ؛ أحدُها، أن يكونَ قادِرًا بسُلْطانٍ أو تَغَلُّبٍ، كاللِّصِّ ونحوِه. وحُكِىَ عن الشَّعْبِىِّ: إن أكْرَهَه اللِّصُّ، لم يَقَعْ طَلاقُه، وإن أكْرَهَه السُّلْطانُ، وقَعَ. وقال ابن عُيَيْنَةَ؛ لأَنَّ اللِّصَّ يَقْتُلُه (5). وعمومُ ما ذَكَرْناه في دليلِ الإِكْراهِ يَتناوَلُ الجميعَ، والذين أكْرَهُوا عمَّارًا لم يَكونُوا لُصُوصًا، وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لعَمَّارٍ:«إِنْ عادُوا فَعُدْ» (6). ولأنَّه إكْراهٌ، فمَنَعَ وُقوعَ الطَّلاقِ، كإكْراهِ اللِّصِّ. الثانى، أن يَغْلِبَ على ظَنِّه نُزولُ الوَعيدِ به إنْ لم يُجِبْه إلى ما طَلَبَه.
(1) يشتار عسلًا: يجتنيه.
(2)
في الأصل: «الجبل» .
(3)
في م: «فردها إليه» .
(4)
في: باب ما جاء في طلاق المكره، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 274، 275. كما أخرجه البيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 357. وقال ابن حجر: وهو منقطع؛ لأنَّ قدامة لم يدرك عمر. تلخيص الحبير 3/ 216.
(5)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 411. وأخرجه عن الشعبى سعيد بن منصور، في: سننه 1/ 277.
(6)
أخرجه الحاكم، في: المستدرك 2/ 357. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 208، 209.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثالثُ، أَنْ يكونَ مِمَّا (1) يسْتَضِرُّ به ضَرَرًا كثيرًا؛ كالقَتْلِ، والضَّرْبِ الشَّديدِ، والحَبْسِ والقَيْدِ الطَّوِيلَيْن، فأمَّا السَّبُّ والشَّتْمُ، فليس بإكْراهٍ، روايةً واحدةً، وكذلك أخْذُ المالِ اليَسِيرِ. فأمَّا الضَّرْبُ اليَسِيرُ، فإنْ كان في حَقِّ مَن لا يُبالِى به، فليس بإكْراهٍ، وإن كان في حَقِّ (2) ذوِى المُروءاتِ، على وَجْهٍ يكونُ إخْراقًا (3) بصاحبِه، وغَضًّا له، وشُهْرَةً في حَقِّه، فهو كالضَّرْبِ الكثيرِ في حَقِّ غيرِه. وإن تُوُعِّدَ بتَعْذِيب وَلَدِه، فقد قِيلَ: ليس بإكْراهٍ؛ لأَنَّ الضَّرَرَ لاحِقٌ بغيرِه. والأَوْلَى أَن يكونَ إكْراهًا؛ لأَنَّ ذلك أعظمُ عندَه مِن أخْذِ مالِه، والوعيدُ بذلك إكْراهٌ، فكذلك هذا.
(1) في م: «فيما» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أى: فيه إهانة وغضاضة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ أُكْرِهَ على طَلاقِ امْرأةٍ فطَلَّقَ غيرَها، وَقَعَ؛ لأنَّه غيرُ مُكْرَهٍ عليه. وإن أُكْرِهَ على طَلْقةٍ فطَلَّقَ ثلاثًا، وَقَعَ أيضًا؛ لأنَّه لم يُكْرَهْ على الثَّلاثِ. وإن طَلَّقَ مَن أُكْرِهَ على طَلاقِها وغيرَها، وقَعَ طَلاقُ غيرِها دُونَها. وإن خَلَصَتْ نِيَّتُه في الطَّلاقِ دُونَ دَفْعِ الإِكْراهِ، وَقَعَ؛ لأنَّه قَصَدَه واخْتارَه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَقَعَ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ مَرْفوعٌ عنه، فلا يَبْقَى إلَّا مُجَرَّدُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النِّيَّةِ، فلا يقَعُ بها طَلاقٌ. وإن طلَّقَ ونَوَى بِقَلْبه غيرَ امرأتِه، أو (1) تأَوَّلَ في يَمينِه، فله تَأْويلُه، ويُقْبَلُ قولُه في نِيَّتِه؛ لأَنَّ الإِكْراهَ دليلٌ له (2) على تأْوِيلِه. وإن لم يَتأَوَّلْ وقَصَدها بالطَّلاقِ، لم يَقَعْ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ. وذكرَ أصحابُ الشافعىِّ وَجْهًا أنَّه يَقَعُ؛ لأنَّه لا [مُكْرِهَ له](3) على نِيَّتِه. ولَنا، أنَّه مُكْرَهٌ عليه، [فلم يَقَعْ](4)؛ لعُمومِ ما ذكَرْنا مِن الأدِلَّةِ، ولأنَّه قد لا يَحْضُرُه التَّأْويلُ في تلك الحال، فتفُوتُ الرُّخْصَةُ.
(1) في النسختين: «و» . وانظر المغنى 10/ 354.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «يكره» .
(4)
تكملة من المغنى 10/ 354.