الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَمَّا إِنْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِىَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، فَيَكُونُ
ــ
لغيرِ حاجةٍ، ولأنَّه إضْرارٌ [بها وبزَوْجِها، وإزالةٌ لمصالحِ النِّكاحِ مِن غيرِ حاجَةٍ، فحَرُمَ؛ لقولِه عليه السلام: «لا ضَرَرَ ولا إضْرَارَ](1). واحْتَجَّ مَن أجازَه بقولِه سبحانه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيَئًا مَّريَئًا} (2). قال ابنُ المُنْذِرِ: لا يَلْزَمُ مِن الجوازِ في غيرِ عَقْدٍ، الجوازُ في المُعاوَضَةِ، بدليلِ الرِّبا، حَرَّمَه اللَّه في العَقْدِ وأجازَه في الهِبَةِ. قال شَيْخُنَا (3): والحُجَّةُ مع مَن حَرَّمَه، وخُصوصُ الآيةِ في التَّحْرِيمِ يَجِبُ تَقْديمُها على (4) عُمُومِ آيةِ الجوازِ، مع ما عَضَدَها مِن الأخْبارِ.
3380 - مسألة: (فَأمَّا إِنْ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِىَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ، وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا
،
(1) سقط من: م. والحديث تقدم تخريجه في 6/ 368.
(2)
سورة النساء 4.
(3)
في: المغنى 1/ 272.
(4)
في م: «في» .
رَجْعِيًّا.
ــ
فيَكونُ رَجْعِيًّا) يعنى [بعَضْلِها مُضارًّا](1) بها بالضَّرْبِ والتَّضْيِيقِ عليها، أو مَنْعِها حُقُوقَها مِن النَّفَقةِ والقَسْمِ ونحوِ ذلك، لتَفْتَدِىَ نَفْسَها، فإن فعَلَتْ، فالخُلْعُ باطلٌ، والعِوَضُ مرْدودٌ. رُوِى نحوُ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والقاسمِ بنِ محمدٍ، وعُرْوَة، وعمرِو بنِ شُعَيْبٍ، وحُمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، والزُّهْرِىِّ. وبه قال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: العَقْدُ صحيحٌ، والعِوَضُ لازِمٌ، وهو آثِمٌ عاصٍ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} . وقال اللَّهُ تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (2). ولأنَّه عِوَضٌ أُكْرِهَتْ على بَذْلِه بغيرِ حقٍّ، فلم يُسْتَحَقَّ، كالثَّمَنِ في البيعِ، والأجْرِ في الإِجارةِ.
(1) في الأصل: «يعضلها مضار» .
(2)
سورة النساء 19.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا لم يَمْلِكِ العِوَضَ وقُلْنا: الخُلْعُ طَلاقٌ. وَقَع (1) الطَّلاقُ بغيرِ عِوَضٍ، فإن كان أقلَّ مِن ثلاثٍ، فله رَجْعَتُها؛ لأَنَّ الرَّجْعةَ إنَّما سَقطَتْ بالعِوَض، فإذا سقَطَ العِوَضُ، ثَبَتتِ الرَّجْعةُ. وإن قُلْنا: هو فَسْخٌ. ولم يَنْوِ به الطَّلاقَ، لم يقَعْ شئٌ؛ لأَنَّ الخُلْعَ بغيرِ عِوَضٍ لا يقَعُ على إِحْدَى الرِّوايتَيْنِ، وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، إنَّما رَضِىَ بالفَسْخِ ههُنا بالعِوَضِ، فإذا لم يحْصُلِ العِوَضُ [لا يَحْصُلُ المُعَوَّضُ] (2). وقال مالكٌ: إن أَخَذَ منها شيئًا على هذا الوَجْهِ، ردَّه، ومَضَى الخُلْعُ عليه. ويتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك إذا قُلْنا: يَصِحُّ الخُلْعُ بغيرِ عِوَضٍ. فأمَّا إن ضَرَبَها على نُشُوزِها، أو مَنَعَها حقَّها، لم يَحْرُمْ خُلْعُها لذلك؛ لأَنَّ ذلك لا يَمْنَعُهما أن لا يخافا أن لا يُقيما حُدودَ اللَّهِ. وفى بعضِ حديثِ حَبِيبَةَ، أنَّها كانت تحتَ ثابتِ بنِ قَيْسٍ، فضرَبَها، فكَسَر ضِلَعَها، فأتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فدَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثابِتًا، فقال:«خُذْ بعضَ مَالِها وفارِقْها» . فَفعَلَ. رَواه أبو داودَ (3). وهكذا لو ضربَها ظُلْمًا؛ لسُوءِ خُلُقِه أو غيرِه، لا يُرِيدُ بذلك أن تَفْتَدِىَ نفْسَها، لم يَحْرُمْ عليه مُخالَعَتُها؛ لأنَّه لم يَعْضُلْها ليَذْهَبَ ببعضِ (4) الَّذى آتاها، ولكنْ عليه إثمُ الظُّلْمِ.
(1) في م: «ووقع» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في: باب في الخلع، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 516.
(4)
بعده في الأصل: «مالها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أتَتْ بفاحِشَةٍ، فعَضَلَها لتفْتَدِىَ نفْسَها منه، ففَعَلَتْ، صَحَّ الخُلْعُ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} . والاسْتِثْناءُ مِنَ النَّهْى إباحةٌ. ولأنَّها متى زَنَتْ، لم يأْمَنْ أن تُلْحِقَ به ولدًا مِن غيرِه، وتُفْسِدَ فِراشَه، فلا تُقِيمَ حُدودَ اللَّهِ في حقِّه، فتَدخلُ في قولِ اللَّهِ تعالى:{فَإنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} . وهذا أحدُ قَوْلَى الشافعىِّ. والقولُ الآخَرُ، لا يجوزُ؛ لأنَّه عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عليه، أشْبَهَ ما لو لم تَزْنِ. والعمَلُ بالنَّصِّ أوْلَى.