الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 ـ الدوران:
وهو في اللغة: مصدر دار يدور، وهو يعني: عدم الاستقرار.
وفي الاصطلاح: ثبوت الحكم عند وجود الوصف وانتفائه عند انتفائه.
مثاله: التحريم يوجد في الخمر عند وجود الإسكار ويرتفع عند تخلل الخمر وعدم كونها مسكرة، فيستدل به على أن السكر هو علة التحريم. ووجوب الزكاة مع تمام النصاب وعدمه مع عدمه، فيدل على أن علة الوجوب ملك النصاب.
والوصف يسمى الْمَدار، والحكم هو الدائر.
والدوران يسميه بعض الأصوليين بالطرد والعكس، أي: أنه مجموع الطرد والعكس، فالطرد هو الوجود مع الوجود، والعكس هو العدم مع العدم، والدوران هو مجموع ذلك.
وقد اختلف في إفادته العلية على أقوال، أهمها قولان:
القول الأول: أنه يفيد العلية، وهو رأي الأكثر، ومنهم من جعله مفيدا للعلية قطعا، وأكثرهم قالوا يفيدها ظنا، ومنهم إمام الحرمين ونقله عن القاضي.
وقال ابن السمعاني إليه ذهب كثير من أصحابنا. وقال القاضي أبو الطيب الطبري إن هذا المسلك من أقوى المسالك.
ودليلهم: أنا إذا رأينا شخصا يقوم عند دخول شخص ويجلس عند خروجه، وتكرر ذلك مرارا، كان ذلك دليلا على أن علة قيامه دخول ذلك الرجل، وإن كنا لا نجزم بذلك وقد نجزم به إذا تكرر مرارا كثيرة أو حفت به قرائن أخرى.
قالوا: كذلك إذا وجدنا حكما يدور مع وصف ما فيوجد بوجوده ويعدم بعدمه، يصح أن نستدل بذلك على علِّية الوصف وكونه مدار الحكم.
والقول الثاني: عدم إفادة الدوران العلية، وهو مذهب كثير من الأصوليين وهو اختيار ابن السمعاني والغزالي وأبي إسحاق، ونقله ابن برهان عن القاضي الباقلاني، مع أن إمام الحرمين نقل عنه المذهب الأول. واختار هذا القول الآمدي.
دليله: أن الاطراد وحده ليس دليلا على العلة، والانعكاس ليس معتبرا في العلل الشرعية، فمجموعهما لا يكون دليلا على العلة.
وهذا باطل؛ لأن كون الاطراد وحده لا يصلح دليلا على العلة، والانعكاس وحده كذلك، لا يدل على أنهما إذا اجتمعا لا يصلحان دليلا على العلة، كما أن العلة المركبة من أوصاف إذا أخذنا كل واحد من الأوصاف وحده لا يصلح علة، وإذا اجتمعت صلحت علة، مثل قولنا: علة القصاص القتل عمدا عدوانا، وكل واحد من الأوصاف بمفرده لا يصلح علة.
وعلى ذلك يكون الراجح جواز الاستدلال على علية الوصف بدوران الحكم معه، ولكن ينبغي أن نعلم أنه لكي تكون العلة المستنبطة بهذا الطريق متعدية لا بد أن يتكرر دوران الحكم معها في أكثر من موضع، وقد نقل القرافي عن النقشواني قوله:«الدوران عين التجربة، وقد تكثر التجربة فتفيد القطع وقد لا تصل إلى ذلك» (1).
(1) نفائس الأصول 4/ 225.