الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سأل العارفين بهم عن ذلك، ثم أخذ بمَن يغلب على ظنه أنه الأعلمُ أو الأتقى.
وقال بعضُ العلماء: يتخيّر.
وقال بعضُهم: يعملُ بالأحوط.
وقيل: يعملُ بالأسهل.
والأول هو الصحيحُ.
والدليل على صحّته: أن فتوى العالم عند العاميّ كالدليل عند المجتهد، وإذا تعارضت الأدلّةُ عند المجتهد وجب عليه طلبُ الترجيح، فكذلك العاميّ إذا تعارضتْ عنده الفتاوى.
تقليدُ الميت:
اختلف العلماءُ في حكم تقليد الميت، على أقوال:
الأول: مذهب الجمهور أنه جائزٌ، وربما حكى بعضُهم الإجماعَ عليه؛ أخذاً بعمل أتباع المذاهب.
واستدلَّ له بعضُهم بالقياس على شهادة الشاهد إذا مات، قبل الحكم بها.
واستدلّ بعضُهم بالضرورة؛ لأنّا لو لم نُجوِّزْ تقليدَ الميت لأدّى إلى حَيرة الناس لعدم وجود المجتهد المطلَق.
الثاني: المنع من تقليد الميت مطلقاً.
وهذا القولُ قد يفهم من كلام الرازي اختياره؛ حيثُ أجاز نقلَ الفتوى عن الأحياء دون الأموات، ولكنه أورد بعض أدلة المجيزين لتقليد الأموات ولم يجب عنها، وبه قال بعضُ المعتزلة، وهو قولُ الشيعة.
ودليلُه:
1 -
أن الميتَ لا يُعتدُّ بقوله في الإجماع؛ إذْ لو وجب الاعتدادُ بقوله ما ثبت إجماعٌ بعد موت أول عالمٍ.
2 -
أن تجديدَ الاجتهاد واجبٌ، كما قال كثيرٌ من العلماء، والميتُ لا يُمكنُ أنْ يُجدِّدَ اجتهادَه.
3 -
أن الوقائعَ تختلفُ صفاتُها المؤثِّرةُ في حكمها، وتغيُّرُها يُوجبُ إعادةَ النظر فيها، فما كان مفسدةً في وقتٍ قد يعودُ مصلحةً، أو قد يكونُ أقلَّ مفسدةً من غيره. وهذا لا يُمكنُ تقديرُه إلاّ من الأحياء.
والصوابُ: أن الوقائعَ التي أفتى فيها المتقدِّمون: إما أنْ يغلِبَ على ظننا أن تغيُّرَ العصر لا مدخلَ له في تغيُّرِ حكمِها، أو لا.
فإنْ غلب على ظننا أن الأعرافَ والعاداتِ والمصالحَ لم تتغيّرْ في هذا العصر عنها في العصر السابق، أو أن التغيُّرَ لا مدخلَ له في حكمِها، فلا بأسَ بنقل فتاوى المتقدّمين والعملِ بها من المقلّدين.
وإنْ لم يحصلْ ظنٌّ غالبٌ بذلك، لم يجز الفتوى فيها بنقل مذاهب الأموات، ولم يجزْ للمقلّد إذا اطّلع على فتوى المتقدّمين فيها: أن يأخذَ بها حتى يُراجعَ علماءَ العصر.
ونتيجةً لاكتفاء بعض علماء العصر بنقل مذاهب الأموات في مسائل الاجتهاد دون أنْ ينظروا في أثر تغيُّر الزمان والأعراف والمصالح في المسألة، وقع خللٌ كبيرٌ في الفتاوى، وتأخّر الفقهُ عن مسايرة تطوُّر الحياة.
وهذا الكلام خاصٌّ بمسائل الاجتهاد، التي لم يردْ فيها نصٌّ صريحٌ صحيحٌ، لا معارض له.