الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثال محل النزاع: الأمر بالصلاة، فإنه أمر مؤقت، فإذا تركها المسلم عمدا فهل يؤمر بقضائها بعد فوات الوقت؟.
الأقوال:
اختلف العلماء في المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الأمر المؤقت لا يسقط بفوات وقته بل يجب قضاؤه بالأمر الأول ولا يحتاج إلى أمر خاص بالقضاء. وهذا القول ذهب إليه أكثر الحنابلة ومنهم ابن قدامة وبعض الحنفية ومنهم السرخسي.
واستدل عليه بإدلة أهمها:
1 -
أن الأمر بالمركب أمر بكل جزء من أجزائه، والمؤقت بوقت مركب من شيئين هما، الفعل ذاته، والزمن المحدد له. فإذا فات أحد الجزأين فيبقى الآخر مأمورا به، فيجب قضاؤه إن كان واجباً من غير بحث عن دليل جديد يدل على القضاء.
2 -
أن الواجب إذا شغلت به ذمة المكلف فلا تبرأ إلا بأداء أو إبراء، وانتهاء الوقت المحدد ليس بأداء ولا إبراء، فتبقى الذمة مشغولة به.
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «فدين الله أحق بالقضاء» ، ووجه الدلالة من الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الواجبات الشرعية ديناً، وشبهها بديون الآدميين فقال في صدر الحديث:«أرأيت لو كان على أبيك دين؟» ولا خلاف في أن دين الآدمي لا يسقط بفوات وقته، فكذلك دين الله، وهو شرائعه الواجبة.
ولا يخفى أن الدليلين الثاني والثالث لا يشملان المأمور به أمر ندب.
القول الثاني: أن الأمر المؤقت يسقط بفوات وقته، ولا يقضى إلا إذا قام دليل خاص على مشروعية قضائه. وهذا القول هو نفسه قول من قال: القضاء
لا يثبت إلا بأمر جديد وهذا هو قول أكثر الأصوليين.
ويستدل له بما يلي:
1 -
أن تحديد الوقت المعين للعبادة دليل على أن هذا الوقت فيه مصلحة أوجبت تخصيصه دون سواه من الأوقات، فإذا فات الوقت فاتت المصلحة، فلم يعد لإيجاب القضاء فائدة.
2 -
أن الواجبات الشرعية منها ما يجب قضاؤه ومنها ما لا يجب قضاؤه باتفاق، فالصلوات الخمس يجب قضاؤها على النائم والناسي، والجمعة والجهاد لا يجب قضاؤهما، ولو كان القضاء يثبت بالأمر الأول ولا يحتاج لأمر جديد لاستوت الواجبات في ذلك.
3 -
أن الأمر بالفعل لا تعرض فيه للقضاء، فإيجاب القضاء لا دليل عليه.
4 -
قياس الزمان على المكان، فالفعل المخصص بمكان إذا لم يفعل فيه لا يؤمر الإنسان بفعله في مكان آخر.
وقد حاول أبو زيد الدبوسي أن يجمع بين القولين، فقال: إن القضاء واجب على كل حال في جميع الأفعال المأمور بها إذا فات وقتها، ولكن لا يجب بالأمر الأول بل بالقياس علىديون الآدميين وعلى ما اتفق العلماء على قضائه كالصلوات المفروضة بالنسبة للنائم والناسي.
وهذا في الواقع اختيار للقول الثاني من القولين، ولكنه زعم أن الأمر الجديد قد وجد فلا حاجة للبحث عن دليل خاص لكل فعل، بل يكتفى بدليل يصلح لكل الواجبات، فهو من حيث التقعيد موافق لأصحاب القول الثاني ولكنه في الفروع قد يختلف معهم وقد يتفق.
والراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول وهو وجوب القضاء بالأمر الأول
وعدم الحاجة لأمر جديد والأمر المؤقت لا يسقط بفوات وقته.
وقول أصحاب القول الثاني: إن التخصيص بوقت محدد لابد أن يكون لمصلحة.
يجاب عنه بالتسليم ولكن نقول الفعل المؤقت فيه مصلحتان، إحداهما في الفعل نفسه والأخرى في التوقيت فإذا فاتت مصلحة التوقيت، فلا ينبغي أن نفوت مصلحة الفعل نفسه مع التمكن من استدراكه، ولا شك أن مصلحة الفعل هي العظمى.
وقولهم: إن الواجبات الشرعية المؤقتة بعضها يجب قضاؤه وبعضها لا يجب قضاؤه.
يجاب بأن ما لا يقضى من الواجبات امتنع قضاؤه لعدم التمكن منه كالجمعة، أو لأن المصلحة من الفعل لا تحصل إلا بالاجتماع عليه كالجهاد. أو يقال: إن ما لا يقضى قد قام الدليل على عدم قضائه وهو الإجماع من العصر الأول.
وقولهم: إن الأمر لا تعرض فيه للقضاء.
يجاب بأننا لا نزعم أن الأمر يدل على وجوب القضاء بالوضع اللغوي، وإنما وجب القضاء بالعرف الشرعي.
وقولهم: «إن الزمان كالمكان» لا يصح؛ لأن الأزمنة متصل بعضها ببعض، فما وجب في الأول ينسحب إلى الثاني بخلاف الأمكنة فإنها منفصلة، ولأن الأزمنة تذهب وتتلاشى فلا يبقى الزمان الأول مع الثاني بخلاف الأمكنة فهي باقية.
ثم إن الواجبات المقيدة بمكان لا تخرج عن أعمال الحج والعمرة من