الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أن القضاء وجب لتدارك المصلحة الفائتة، فالمصلي فاته الإتيان بصلاة مستكملة الشروط، وأمكنه استدراكها بالقضاء، فأوجبناه عليه.
وأما الدليل الثالث فقد تقدم الجواب عنه في مسألة سقوط الأمر المؤقت بفوات وقته وبينا هناك أن القضاء لا يحتاج لأمر جديد وإنما يثبت بالأمر الأول.
ولا نمنع أن يؤمر بمثل الفعل الأول ولكن لا نسميه قضاء.
وأما الدليل الرابع فإنما يرد على من ظن أن الأمر يدل على الإجزاء بطريق الوضع، وهذا لا يقوله عالم، وإن فهم من ظاهر كلام بعض العلماء أنه يريد ذلك فلابد من تأويله وحمله على محمل صحيح؛ إحسانا للظن في العلماء.
وأما من قال: إن إتيان المامور به على الوجه المطلوب يسقط القضاء ويقتضي الإجزاء فلا يرد عليه هذا الدليل.
ثمرة الخلاف:
قال الآمدي: إن الخلاف بين الفريقين لفظي، وإن بعض من تكلم في المسألة لم يعرف موطن النزاع، فأطال الكلام وشعَّبه.
ووجه هذا القول أن الجمهور القائلين بسقوط القضاء بفعل المأمور به، لا يمنعون أن يرد أمر جديد للمكلف بفعل مثل ما أمر به أولاً، ولكنهم لا يسمونه قضاء إلا حيث يكون فيه استدراك لمصلحة فاتت في الفعل الأول، كالمثالين المذكورين في استدلال الخصم.
والمعتزلة يقولون: فعل المأمور به لا يسقط القضاء الواجب بأمر جديد غير الأمر الأول، والأمر الأول لا يوجب عليه الفعل مرة ثانية.
قلت: والجزم بلفظيه الخلاف فيها نظر، لأن في كتب الفروع مسائل يمكن
أن تخرَّج عليه، ولكن لما كان المشتغل بالتخريج ليس من أهل الاجتهاد، والقاعدة لم يتضح فيها رأي الأئمة المجتهدين اضطر فقهاء الفروع إلى تخريج تلك المسائل على قواعد أخرى كقاعدة اليقين لا يزول بالشك ونحوها.
ومن تلك المسائل التي يمكن تخريجها على القاعدة:
1 -
فاقد الطهورين: قال بعض الفقهاء يصلي على حاله ثم يقضي إذا وجد الماء أو التراب. ومقتضى قول الجمهور في القاعدة أنه لا قضاء عليه؛ لأنه لا يطلب منه ما لا يطيق، فإذا أتى به فكيف يؤمر بالقضاء؟ وقال بعض الفقهاء: يلزم القضاء. وهو يتخرج على مذهب المعتزلة في القاعدة.
2 -
الجنب إذا لم يجد الماء يتيمم. وهل يجب عليه أن يغتسل إذا وجده؟ قال أكثرهم: نعم، ومقتضى قاعدة الجمهور أن لا يؤمر بذلك أمر إيجاب إلا بدليل خاص.
3 -
من ضل فلا يعرف جهة القبلة يصلي إلى أي جهة. وهل يلزمه القضاء إذا عرف جهة القبلة؟
اختلف العلماء في ذلك؛ فقال بعضهم: يلزمه القضاء. وهو يتخرج على قاعدة المعتزلة، لا على قاعدة الجمهور إذ لا يوجد دليل جديد على وجوب القضاء.
4 -
المحبوس في محل نجس: يصلي فيه. واختلفوا في وجوب الإعادة عليه أو القضاء، والقول بوجوب الإعادة أو القضاء يتخرج على مذهب المعتزلة في القاعدة.
والخلاف في هذه القاعدة له صلة بالخلاف في تعريف الصحيح بين الفقهاء والمتكلمين، فالفقهاء يعرفونه بأنه: ما أسقط القضاء، والمتكلمون يعرفونه بأنه
ما وافق أمر الشارع في اعتقاد المكلف.
وهذا الكلام قد مر معنا في الحكم الوضعي، ويظهر من الخلاف في هذه القاعدة أن الخلاف في تعريف الصحيح مبني عليها؛ فمن قال: إن فعل المأمور به لا يقتضي سقوط القضاء، يقول: إذا وافق الفعل أمر الشارع في ظن المكلف ينبغي أن نسميه صحيحاً ولا نرتب عليه سقوط القضاء، إذ يمكن أن يأتي بالفعل ويطلب منه قضاؤه، وإذا وصفنا فعله السابق بالصحة امتنع تعريف الصحيح بما ذكره الفقهاء من قولهم: الصحيح: ما أسقط القضاء، ويتعين أن نعرفه بأنه ما وافق أمر الشارع في ظن المكلف، ولهذا فهم يقولون: صلاة من ظن أنه متطهر إذا تبين أنه على غير طهارة صحيحة ويلزمه القضاء.
وأما من قال: إن فعل المأمور به يقتضي سقوط القضاء، فيلتزم بأن صلاة من ظن أنه متطهر تبين أنها فاسدة وليست صحيحة.
ويشكل على هذا أنه يلزمهم أن لا يقولوا: إن المصلى يثاب على تلك الصلاة؛ لأن الفاسد لا ثواب عليه، والجزم بعدم الثواب على تلك الصلاة غير صحيح، ولكن يمكنهم أن يقولوا يثاب على قصده وعلى قراءته للقرآن وعلى غيره من الذكر الوارد في الصلاة.
وقد نقل الآمدي وجها عن الشافعية أن لا قضاء عليه، ومن قال بهذا الوجه اطردت له القاعدة ولم يرد عليه اعتراض المتكلمين، والله أعلم.