الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمل المطلق على المقيد:
الدليل الشرعي المطلق إذا لم يرد ما يقيده يجب حمله على إطلاقه، كما أن العام إذا لم يرد ما يخصصه يجب حمله على عمومه.
وإذا ورد ما يدل على تقييد المطلق وجب حمل المطلق على المقيد.
والمراد بهذا المصطلح (حمل المطلق على المقيد) أن المجتهد إذا نظر في الدليل فوجده من حيث وضعه اللغوي مطلقا، ولكنه وجد دليلا آخر في اللفظ أو في لفظ آخر مستقل يقيد إطلاق ذلك المطلق، وجب عليه أن يفهم المطلق على ما يقتضيه دليل التقييد.
فالحمل معناه: الفهم، وحمل المطلق على المقيد، معناه: فهم الدليل المطلق لفظا على ما يقتضيه الدليل المقيد له فيكون المعنى الشرعي المقصود من المطلق هو المعنى المقصود من المقيد.
اللفظ المطلق في موضع المقيد في موضع آخر:
إذا جاء اللفظ مطلقا في موضع مقيدا في موضع آخر، فهل يحمل المطلق على المقيد، ويجعل الحكم الثابت بهما مقيدا؟
للجواب عن هذا نقول:
ورود اللفظ مطلقا مرة ومقيدا مرة أخرى له أحوال، بعضها محل خلاف وبعضها محل وفاق على النحو التالي:
1 ـ
أن يتحد الحكم والسبب في الموضعين:
مثاله: اعتاد كثير من الأصوليين تمثيله بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة3] مع قوله في آية أخرى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام145]،
وقالوا: إن الدم أطلق في موضع، وقيد في موضع آخر بكونه مسفوحا.
وهذا المثال فيه نظر؛ وهو أن لفظ (الدم) اسم جنس محلى بأل، وهو من صيغ العموم فيكون عاما لا مطلقا.
ويمكن أن يجاب بأنه عام في الدم القليل والكثير، وأما من حيث صفات الدم الأخرى فهو مطلق، وجاء تقييده في الآية الأخرى. وفي هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد باتفاق.
ومن أمثلته الظاهرة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» (متفق عليه).
وقوله في حديث ابن عباس بعرفة: «فليلبس الخفين» (متفق عليه). وليس فيه ذكر للقطع.
فالقاعدة تقتضي أن يحمل المطلق على المقيد باتفاق؛ لاتحاد الحكم والسبب، فالحكم هو لبس الخف لمن لم يجد النعل، والسبب هو الإحرام، ولكن الخلاف وقع من جهة قاعدة أخرى وهي أن المطلق جاء متأخرا عن المقيد، فذهب بعض العلماء إلى أن المطلق إذا تأخر ينسخ المقيد المتقدم، وهذا مذهب الحنفية ورواية عن أحمد.
وذهب بعض العلماء إلى أن المطلق لا ينسخ المقيد سواء تقدم أو تأخر، ويكون المقيد مقدما على المطلق فيقيد به، ولهذا قال بعضهم بوجوب قطع الخفين لمن لم يجد النعلين من المحرمين الذكور. وقال آخرون بعدم وجوب القطع.
ثم حاول كل فريق أن يستدل على رأيه بأدلة أخرى تقوي جانبه، وليس هذا موضع بسطها.