الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويظهر أثر الخلاف عند من يقول: إن العام قبل التخصيص قطعي وبعده ظني، فإنه إذا عد العقل مخصصا عد العام المخصوص به ظنيا، وقد رأيت بعض علماء الحنفية الذين ذهبوا إلى التفريق بين العام المخصوص والعام المحفوظ قد جعل المخصوص بالعقل باقيا على قطعيته ما لم يخصص بدليل آخر.
وأما الجمهور فإنهم إذا عدوا العقل مخصصا فإن العام غير المخصوص عندهم أقوى من المخصوص بالعقل أو بغيره من الأدلة.
3 -
النص:
والتخصيص بالنص له صور:
أـ تخصيص القرآن بالقرآن:
مثاله: تخصيص قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة228]، بقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق4]، فالآية الأولى تفيد أن كل مطلقة عدتها ثلاث حيض، وإذا قيل إنها مخصوصة بالآية الثانية فتخرج الحوامل من العموم، وكذلك خص من عموم المطلقات غير المدخول بها، بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب49].
ب ـ تخصيص القرآن بالسنة:
مثاله: تخصيص قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء11]، بقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس للقاتل شيء» (أخرجه مالك في الموطأ من حديث عمر مرفوعا، وأخرجه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة بسند ضعيف، وله طرق يتقوى بها) فأخرج القاتل، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن
معاشر الأنبياء لا نورث» (أخرجه أحمد في المسند، ومعناه في الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه) فأخرج أبناء الأنبياء، وتخصيص قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور2]، بما ثبت أنه رجم الزاني المحصن، فيكون مخصوصا من العموم، وهو تخصيص بالفعل.
ومثله تخصيص قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة222]، بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تتزر فيباشرها وهي حائض (متفق عليه).
ففعل الرسول صلى الله عليه وسلم معها خصص العموم المستفاد من قوله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} ، أي: لا يكن منكم قربان لهن حتى يطهرن.
والتخصيص بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم مثاله: تخصيص عموم قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة267]، بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بعدم إخراج الزكاة من الخضروات.
وقد اختلفوا في تخصيص القرآن بالسنة الآحادية، فذهب الجمهور إلى أنه جائز وواقع، وهذا منقول عن الأئمة الأربعة.
واحتجوا على هذا بأدلة، أهمها:
ـ
…
الإجماع من الصحابة على العمل بأخبار الآحاد الخاصة مع معارضتها في الظاهر لعموم القرآن، وهذا يدل على أنهم خصصوا القرآن بخبر الآحاد، ويدل على ذلك وقائع كثيرة منها:
1 -
أن فاطمة طلبت ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبين لها أبو بكر أنها لا تستحق شيئا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا نورث ما تركنا صدقة» (متفق عليه) وهذا
مخصص لعموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء11].
2 -
تخصيص آيات المواريث بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر» (متفق عليه).
3 -
تخصيص قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة275]، بما روي عن أبي سعيد الخدري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل
…
» (متفق عليه).
4 -
تخصيص قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة5]، بقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس ـ:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (أخرجه مالك في الموطأ من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً).
فهذه المواضع متفق على جريان التخصيص فيها، مع أن المخصصات أخبار آحاد.
وذهب بعض علماء الحنفية إلى عدم جواز تخصيص القرآن بأخبار الآحاد إلا إذا سبق تخصيصه بقطعي.
وأنكر بعض المتكلمين تخصيص القرآن بأخبار الآحاد مطلقا.
واستدل هؤلاء وأولئك بما ثبت عن عمر أنه رد خبر فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة حين طلقت، وقال:«لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت» (أخرجه مسلم)، وهو يعني تقديم قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق6].
والراجح قول الجمهور، ومما يؤيده أن القول بتخصيص القرآن بأخبار الآحاد فيه عمل بكل من الدليلين العام والخاص، والعمل بالدليلين ولو من