الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا نستطيع أن نقول: ظاهر كلام الأصوليين أن النزاع في كل أمر تعلق بأمر الغير بشيء هل يعد أمراً لذلك الغير من الآمر الأول؟ ولكن خروج الصورة الأولى ـ التي يكون فيها المأمور الأول مبلغا ـ له وجه؛ لتصريح الآمر الأول بأنه يأمر المأمور الثاني (قل لفلان إني آمره بكذا).
الأقوال في المسألة:
القول الأول: أن الأمر بالشيء ليس أمراً بذلك الشيء في حق الطرف الثالث.
وهذا القول هو مذهب جمهور الأصوليين ولا يكاد يوجد في كتب الأصول المشهورة من يختار خلافه.
واستدلوا له بما يلي:
1 -
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع» الحديث (أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم).
ووجه الدلالة من الحديث لا تتضح إلا بضم الإجماع إلى هذا الدليل، فيقال في تقريره: لو كان الأمر بالأمر أمراً لكان قول الرسول صلى الله عليه وسلم «مروا ابناءكم بالصلاة لسبع» أمرا من الرسول صلى الله عليه وسلم للصبيان، وإلإجماع قائم على أن الصبيان غير مأمورين بالصلاة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور.
ويمكن أن يقرر الاستدلال بالحديث بضم حديث آخر إليه فيقال: لو كان الأمر بالأمر أمرا لكان قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع» أمرا للصبيان وتكليفا لهم، ولكن الصبيان غير مكلفين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«رفع القلم عن ثلاثة» وذكر منهم: «الصبي حتى يحتلم» (رواه أحمد وأصحاب السنن).
2 -
لو كان الأمر بالأمر أمرا، لكان الرجل إذا قال لمالك العبد: مُرْ عبدك أن
يفعل كذا، متعديا على حق المخاطب بأمر عبده دون إذنه، وليس كذلك عند أهل اللغة فعرفنا أن الأمر بالأمر ليس أمراً.
3 -
أنه يجوز أن يأمر أحد عبيده بأن يأمر عبده الآخر بشيء ثم يقول للأخر لا تطعه ولا يعد ذلك تناقضا، ولو كان الأمر بالأمر أمرا لكان تناقضا من السيد (1).
القول الثاني: أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء.
وهذا القول نسب لبعض الشافعية وقيل إنه اختيار العبدري وابن الحاج في شرحيهما للمستصفى (2).
واستدل لهذا القول بأدلة أهمها:
ما ورد أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فأخبر عمر ـ رضي الله عنه ـ الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:«مره فليراجعها» . الحديث، وروي بلفظ:«أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها» والقصة واحدة (3).
وجه الدلالة: أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر أن يأمر ابنه بالمراجعة عد أمراً لابن عمر بالمراجعة؛ لذا روي الحديث بلفظ: أمر رسول الله ابن عمر أن يراجع زوجته. لأن القصة واحدة، ولولا أن الأمر بالأمر أمر لما عد ذلك أمرا لابن عمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما صحت رواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة.
والراجح هو القول الأول، مع استثناء ما لو قال الأول: قل لفلان: إني
(1) الإحكام للآمدي 2/ 182.
(2)
ينظر: البحر المحيط 2/ 411، والشرحان مفقودان.
(3)
ينظر الأحكام للآمدي 2/ 182