الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث: أن الأمر بالشيء يقتضي كراهة ضده وهو اختيار السرخسي والبزدوي من الحنفية.
دليله: أن الأمر من حيث الدلالة اللفظية لا دلالة فيه على النهي عن الضد، ولكنه يدل على النهي بطريق الاقتضاء، ودلالة الاقتضاء أضعف من دلالة النص، فيكون الثابت بها أضعف من الثابت بدلالة النهي المنصوص عليه بصيغته، فيثبت بدلالة الاقتضاء الكراهة.
الترجيح:
الراجح ـ والله أعلم ـ هو أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، أو يستلزم النهي عن ضده إذا كان المأمور معينا وقد ضاق الوقت عن غيره.
ولا يقال هو عين النهي عن ضده كما قال بعض الأشعرية؛ لأنه من حيث الصيغة لا يمكن القول باتحادهما، وكذا من حيث المعنى الموضوع له اللفظ أصلا.
ولا يقال إنه يقتضي النهي عن ضده مطلقا، بل إذا كان المأمور معينا وضاق الوقت عن الفعل وما يضاده، اقتضى النهي عن الضد، وإلا فلا.
والدليل على رجحان هذا التفصيل: أن أدلة القول الأول لا تدل على أن الأمر المخير والموسع دالان على النهي عن الضد، فقولهم: لا يمكن الإتيان بالمأمور به إلا بترك ضده لا يصح إلا إذا حملناه على الأمر المعين الواجب فعله على الفور.
أما الواجب المخير كخصال الكفارة فيصح فعله مع غيره، وكذا الواجب الموسع لا يحرم على المكلف التلبس بضده قبل فعله إلا حين يضيق الوقت فلا يتسع إلا له وحده.
وأما دليلهم الثاني فيجاب عنه بان الترك فعل فيكون عقاب مرتكب النهي على فعله.
ومما يدل على أن الترك فعل، قوله تعالى:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة79].
وأما الثالث فهو يؤيد ما ذكرته، وهو أن الأمر بالشيء على الفور هو الذي يقتضي النهي عن الضد، والفورية لا تتحقق في الواجب الموسع قبل ضيق الوقت.
وأما أدلة المانعين مطلقا فيجاب عنها بما يلي:
قولهم: الضد مسكوت عنه. يجاب بأن دلالة الأمر على النهي عن الضد هي دلالة اقتضاء، وليست دلالة وضع، والمقتضى مسكوت عنه، ولكن دل عليه دليل من العقل أو الشرع أو العرف.
وقولهم: إن الآمر قد يكون غافلا عن الضد. يجاب بأن هذا قد يقال في حق الآمر من البشر، ولا يقال إذا كان الآمر هو الله، وأما إذا كان الآمر من البشر فيجاب بأن الأمر عندنا ليس من شرطه إرادة الآمر. فدلالته تحصل وتفهم سواء أرادها الآمر من البشر أم لا.
وأما قول السرخسي والبزدوي: إنه يدل على كراهة الضد؛ فإن كان المقصود بالكراهة كراهة التحريم فمسلم؛ لأننا لا نقول إنه يدل على التحريم قطعاً. وإن كان مرادهم الكراهة التنزيهية فممنوع.
وقولهم: إن دلالة الاقتضاء أضعف من دلالة النص، لا يدل على أن مدلولها لا يصل إلى درجة التحريم، فإن التحريم درجات من حيث طريق ثبوته.