الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سد الذرائع
تعريف الذرائع:
الذرائع: جمع ذريعة، والذريعة هي الوسيلة المؤدية إلى الشيء، سواء أكان مصلحة أم مفسدة.
وسد الذرائع: منع الوسائل المفضية إلى المفاسد.
والأقوال والأفعال المؤدية إلى المفسدة أربعة أقسام:
الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة قطعا، كشرب الخمر المفضي إلى مفسدة السكر، والزنى المفضي إلى مفسدة اختلاط الأنساب وثلم الأعراض.
الثاني: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، ولكن قصد بها التوسل إلى المفسدة، مثل عقد النكاح بقصد تحليل الزوجة لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا.
الثالث: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة، ولكنها تؤدي إليها غالبا، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، مثل: سب آلهة الكفار علناً إذا كان يفضي إلى سب الله جل وعلا.
الرابع: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المباح، وقد تفضي إلى المفسدة، ومصلحتها أرجح من مفسدتها، مثل النظر إلى المخطوبة، والمشهود عليها، والجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر.
فالقسم الأول قد جاءت الشريعة بمنعه، إما على سبيل التحريم أو الكراهة، وذلك بحسب درجته في المفسدة ولا خلاف فيه.
والقسم الرابع قد جاءت الشريعة بمشروعيته إما على سبيل الوجوب أو الاستحباب؛ بحسب درجته في المصلحة، ولا خلاف فيه.
والقسمان الثاني والثالث هما موضع النزاع، هل جاءت الشريعة بمنعهما؟
ومذهب المالكية والحنابلة ومن وافقهم أن سد الذرائع دليل شرعي تبنى عليه الأحكام، فمتى أفضى الفعل إلى مفسدة راجحة أو كان الغالب فيه الإفضاء إلى المفسدة أو قصد به فاعله الإفضاء إلى المفسدة وجب منعه.
وذهب بعض العلماء من الشافعية والحنفية والظاهرية إلى عدم الاستدلال بهذا الدليل ولم يوجبوا سد الذرائع المؤدية إلى المفسدة، إلا أن يرد بمنعها نص أو إجماع أو قياس، ولكنهم لم يطردوا في فروعهم الفقهية بل قالوا في بعض الفروع بالمنع دون بعضها الآخر.
ومما يدل على صحة العمل بقاعدة سد الذرائع ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام108].
وجه الاستدلال: أن الله منع المسلمين من سب آلهة الكفار مع أنها تستحق السب والشتم، ولكن منع من سبها حتى لا يسبوا الله، وهذا ظاهر في سد الذريعة المؤدية إلى المفسدة.
2 ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة104].
وجه الاستدلال: أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم راعنا؛ منعا لذريعة التشبه باليهود الذين كانوا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم راعنا، من الرعونة
وهي الحمق والسفه، والمسلمون يقصدون منها القصد الحسن أي: من المراعاة وهي الانتظار.
3 -
منع الشارع القاضي من أخذ الهدية لئلا يكون ذريعة إلى أخذ الرشوة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«هدايا العمال غلول» (أخرجه الإمام أحمد وغيره).
والأحكام التي قصد بها سد الذرائع المؤدية إلى المحرم أكثر من أن تحصى.
وإذا تقرر وجوب سد الذارئع المؤدية إلى المحرم تقرر وجوب فتح الذرائع الموصلة إلى الواجب؛ لأن الذريعة الموصلة إلى الواجب واجبة، لكن وجوبها قد يكون وجوبا معينا إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة إلى الواجب، ولهذا جاءت قاعدة:«ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» ، وقد يكون وجوب وسيلة الواجب على التخيير إذا كانت هناك وسائل متعددة كلها تفضي إلى الواجب.
وباب سد الذرائع من أهم ما ينبغي للفقيه معرفته، ولهذا قال شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم (ت751):«وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه (أي التكليف) أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما: ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين» (1).
وإعطاء الوسيلة حكم المتوسل إليه دليل على حكمة الباري وعلمه بخصائص النفس البشرية؛ لأنه لو حرم الشيء وأباح الوسائل الموصلة إليه غالبا لوقع الناس في حرج عظيم.
(1) أعلام الموقعين 3/ 159.