الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الفروع المبنية على هذا الأصل:
أـ
…
أن الحنفية يوجبون الزكاة في الخارج من الأرض ولو لم يكن مما يكال ويدخر، فيوجبون الزكاة في الفواكه والخضروات.
ب ـ أنهم لا يشترطون النصاب في الخارج من الأرض، فيوجبون الزكاة في القليل والكثير، وذلك كله عملاً بعموم قوله تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة267] وقوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون العشر» (أخرجه البخاري).
والجمهور يخصصون عموم الآية بحديث: «ليس فيما دون خمسه أوسق صدقة» (متفق عليه) فإنه يدل على أن الزكاة إنما تجب فيما يكال ويدخر. وتدل على أن المكيل لا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق.
العام بعد التخصيص:
وأما العام بعد التخصيص فهو حجة فيما بقي، ولكنه حجة ظنية، اتفق على ذلك رأي الأصوليين والفقهاء من المذاهب الأربعة.
وما نقل في كتب أصول الفقه من الخلاف في حجية العام بعد التخصيص لم ينقل عن أحد من الفقهاء الذين نقل إلينا فقههم، وإنما نقل عن بعض المتكلمين أو عن فقهاء لم يصل إلينا إلا النزر اليسير من آرائهم الفقهية، كأبي ثور وعيسى بن أبان، وفي صحة النقل عنهما نظر.
ولهذا فلا أرى جدوى من سرد الأقوال والاستدلال لكل قول، وسأكتفي بدليل القول الراجح وهو مذهب الجمهور.
وأهم ما يحتج به للجمهور: الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في
العصور الثلاثة المفضلة، فإنهم ما كانوا يتوقفون في العمل بالعام المخصوص في بقية أفراده، ومن ذلك احتجاج علي وعثمان رضي الله عنهما على تحريم الجمع بين الأختين بملك اليمين بقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء23]، وعلى إباحته بقوله تعالى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون6]، فقالا: أحلتهما آية وحرمتهما آية، مع أن كلا من الآيتين مخصوصة بإجماع؛ إذ ليس كل جمع بين الأختين محرما، وإنما يحرم الجمع بينهما في الوطء والنكاح، وأما ملك الأختين الرقيقتين فلا يحرم.
وكذلك دل العقل والإجماع على تخصيص قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، فليس كل ما ملكت اليمين يجوز وطؤه.
أما كون العام بعد التخصيص ظنيا فهو مذهب جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
فأما المذاهب الثلاثة الأخيرة فإن العام عندهم ظني الدلالة خصص أو لم يخصص، ولكن العام المحفوظ عندهم أقوى من العام المخصوص، وكثرة المخصصات تضعف دلالة العام، ولذا فإن العام المحفوظ يقدم عند التعارض على العام المخصوص، بل يقدم المختلف في تخصيصه على المتفق على تخصيصه.
وفي هذا المعنى يقول إمام الحرمين: «ويقدم أحد العمومين بكون التخصيص فيه على النزاع على ما خص بالاتفاق كقوله سبحانه: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، خص منه تحريم الأختين بالرضاع اتفاقا، وهل في قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} تخصيص؟ على الخلاف، فكان هذا أولى لأنه أبعد عن
الاحتمال» (1).
ويقول محمد الأمين الشنقيطي: «وقد تقرر في الأصول أن الأقل تخصيصا مقدم على الأكثر تخصيصا، كما أن ما لم يدخله التخصيص أصلا مقدم على ما دخله
…
وخالف فيه السبكي والصفي الهندي» (2).
وأما الحنفية فقد سبق أنهم يعدون العام المحفوظ قطعي الدلالة، وأما العام المخصوص فهو ظني الدلالة؛ لما فيه من احتمال كون هذا الفرد أو ذاك داخلا في الدليل المخصص بقياس أو نحوه.
ولعل للخلاف في حجية العام المخصوص أثرا في قولهم إنه حجة ظنية، فإن الخلاف وإن كان ضعيفا قد يورث شبهة.
(1) الكافية في الجدل 475.
(2)
دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب 99.