الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع
القياس
تعريفه:
القياس في اللغة: التقدير، يقال: قاس الطبيب الجرح، إذا قدر عمقه، وقاس البزاز القماش إذا قدره بالمتر. ويطلق على المساواة بين شيئين، كما يقال: فلان لا يقاس بفلان، أي: لا يساوى به.
وفي الاصطلاح: نجد أن للأصوليين اتجاهين رئيسين في تعريفه:
الأول: جعل القياس اسما لفعل المجتهد الذي ينظر في المسألة غير المنصوص على حكمها ليلحقها بالمنصوص عليها.
الثاني: جعل القياس اسما للتساوي الواقع بين المسألتين، سواء تفطن له المجتهد فاستدل به على حكم غير المنصوص أم لم يتفطن له.
وعلى هذا يمكن أن نعرفه بناء على الاتجاه الأول بأنه: إلحاق فرع بأصل في الحكم الشرعي الثابت له لاشتراكهما في علة الحكم.
ومثله التعبير بلفظ: حمل فرع على أصل في حكم
…
الخ. وكذا قولهم: حمل معلوم على معلوم
…
الخ.
وأما على الاتجاه الثاني فيمكن أن يعرف بأنه: مساواة فرع لأصل في حكم شرعي لاشتراكهما في علة الحكم.
وكل من هذين التعريفين لم يسلم من الاعتراض، ولكن لما كان المقصود بالتعريف تمييز المعرف عن غيره أمكن الاكتفاء بأي منهما.
والقياس ينقسم إلى قياس طرد وقياس عكس، ولكن العلماء حين يعرفونه إنما يعرفون قياس الطرد لأنه الأصل، أما قياس العكس فقل من يراعيه عند تعريف القياس؛ إما لأنه لا يرى حجيته، وإما لقلة وروده في كلام الفقهاء، وإما لاختلاف الحقيقتين وتعذر الجمع بينهما في تعريف واحد.
والمراد بالطرد هنا: ثبوت الحكم لثبوت الوصف المدعى عليته.
والعكس: انتفاء الحكم لانتفاء الوصف المدعى عليته.
وإذا نظرنا إلى تعريفات الأصوليين للقياس نجد أن غالبهم لا يلتفت إلى قياس العكس عند التعريف فلهذا يعبرون بلفظ إثبات أو إلحاق أو حمل أو مساواة، ويعبرون بلفظ: لاشتراكهما في العلة، أو لتساويهما في العلة، ومعلوم أن هذا إنما يصدق على قياس الطرد؛ إذ هو الذي يثبت به حكم للمسكوت عنه مساو لحكم المنطوق، لتساويهما في علة الحكم.
وما جرى عليه جمهرة الأصوليين من قصر التعريف على قياس الطرد دون قياس العكس هو الأولى؛ لاختلاف الحقيقتين وعدم إمكان الجمع بينهما في تعريف واحد. ولهذا فسنذكر التعريف المختار لقياس الطرد لأنه المقصود بالقياس عند الإطلاق. فأقول: أحسن ما يعرف به القياس أن يقال:
«هو إثبات مثل حكم الأصل للفرع لتساويهما في علة الحكم» .
شرح التعريف:
لشرح التعريف لا بدّ من معرفة معاني الكلمات الآتية: الحكم، الأصل، الفرع، العلة.
فالحكم سبق تعريفه، والمقصود به هنا: أي حكم من الأحكام الشرعية، كالوجوب والتحريم والندب.
الأصل: المقصود به هنا: المقيس عليه، أي: الصورة أو المسألة التي ثبت حكمها بنص أو إجماع، أو اتفق عليه الخصمان المتناظران.
الفرع: المقصود به هنا: المقيس، أي الصورة أو المسألة التي يراد إثبات حكمها بالقياس.
العلة: المراد بها هنا: المعنى الذي ثبت الحكم في المسألة المقيس عليها لأجله، سواء عرف ذلك بنص أو باجتهاد ونظر.
فمعنى التعريف: أن القياس هو تسوية المجتهد في الحكم بين مسألتين: إحداهما ثبت حكمها بنص أو إجماع أو اتفاق من المتناظرين، والأخرى محل خلاف، فيقوم المجتهد بإلحاقها بالأولى المتفق على حكمها لأجل اشتراك المسألتين في الوصف الذي يغلب على الظن أنه علة ثبوت الحكم في المسألة المقيس عليها.
مثاله: أن الخمر محرمة باتفاق المسلمين؛ للنصوص الكثيرة الواردة في تحريمها، والنبيذ الذي هو عصير الفواكه أو التمر أو الشعير ونحوه إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه، اختلف في تحريمه. فذهب جمهور العلماء إلى تحريمه قياسا على الخمر. فالخمر هي الأصل في هذا القياس، والنبيذ فرع، والعلة الجامعة بينهما الإسكار، فكل منهما مسكر، والحكم الذي ثبت للفرع هو التحريم.
وهذا المثال يذكره أكثر الأصوليين، مع أن تحريم النبيذ ثابت بقوله صلى الله عليه وسلم:«وكل مسكر خمر» ، فالقياس هنا لا حاجة إليه إلا للاستدلال به على من لا يرى صحة الحديث.
مثال آخر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البر بالبر مثلا بمثل» الحديث، فقاس جمهور العلماء الذرة على البر، وحكموا بتحريم بيعها بجنسها مع التفاوت في المقدار، ولم يخالف في هذا إلا الظاهرية، فالأصل في هذا المثال البر،