الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول أو فعل أو تقرير.
وأما الخبر في اللغة فهو النبأ، وجمعه أخبار. وفي الاصطلاح: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته.
ومعنى قولهم: لذاته، أي: بالنظر إلى ذات الخبر دون النظر إلى المخبِر والقرائن التي تحف بالخبر، وبهذا القيد يدخل في تعريف الخبر خبر الصادق، والأخبار التي لا يمكن أن تكذب لحفوف القرائن بها، أو لقيام الدليل القاطع على صدقها كأخبار القرآن والسنة المتواترة، والأخبار التي دلت القرائن على صدقها.
ويطلق الخبر على ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن، وما نقل عن الصحابة والتابعين. وقد يجعلون الخبر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأثر ما نقل عن الصحابة والتابعين.
أقسام الخبر:
الخبر بمعناه الاصطلاحي ينقسم عند الجمهور قسمين: المتواتر والآحاد.
وعند الحنفية ثلاثة أقسام: المتواتر، والمشهور، والآحاد.
1 ـ تعريف المتواتر: هو ما رواه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة وأسندوه إلى حس.
وهو نوعان:
أ ـ
…
المتواتر اللفظي: وهو ما اتفق الرواة على لفظه ومعناه، مثل حديث:«من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» فقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين صحابيا.
وقد اعتنى جماعة من العلماء بجمع الأحاديث التي رأوا أنها بلغت حد
التوتر. وهي قليلة إذا قيست بما جعلوه من الآحاد.
ب ـ المتواتر المعنوي: وهو ما اتفق الرواة على معناه دون لفظه حتى أصبح المعنى مقطوعا به وإن كان اللفظ لم يبلغ درجه القطع. ومثاله الأحاديث الواردة في المسح على الخفين؛ فإن معناها المشترك بينها وهو (مشروعية المسح على الخفين) متواتر، وإن كانت ألفاظها غير متواترة.
2 ـ الآحاد: وهو ما رواه واحد أو أكثر ولم يبلغوا حد التواتر. وأغلب الأحاديث من هذا القسم.
3 ـ المشهور عند الحنفية: هو ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واحد أو اثنان ثم تواتر في عصر التابعين أو تابعي التابعين. ومثلوه بحديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه.
وتقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، أو إلى متواتر ومشهور وآحاد، يكاد يجمع عليه علماء الأصول وعلماء الحديث، ولكنهم لم يتفقوا على تحديد دقيق للعدد الذين تعد روايتهم تواترا والذين تعد روايتهم آحادا، فكل ما ذكروه من تحديد لم يقم عليه دليل صحيح.
وهذا قد حدا ببعضهم إلى أن يعرِّفوا المتواتر بأنه: ما أفاد العلم واليقين، والآحاد ما أفاد الظن، مع أن الناس يختلفون في العدد الذي يفيد اليقين فمنهم من يقطع بما رواه له عدد يسير، ومنهم المولع بالشك الذي لا يتيقن بالخبر وإن رواه عدد كثير، ومنهم المطلع على الأخبار العالم بأحوال الرواة الخبير بألفاظ النبوة الذي ربما قطع بصحة الحديث الذي رواه اثنان أو ثلاثة، ومنهم من ليس كذلك.
ومع اختلاف الناس في ذلك، لكنهم لا يختلفون فيما رواه عدد كثير يفوق
الحصر أنه متواتر، ولكن مثل هذا لا وجود له في الأحاديث النبوية، ولهذا نجدهم يمثلون له بالخبر بوجود مكة والمدينة ونحو ذلك مما لا يتصور فيه الخلاف.
والذين عرّفوه بأنه ما أفاد القطع، لا بد أن يعترفوا أن الخبر قد يتواتر عند شخص ولا يتواتر عند غيره، فقد يقطع شخص بصدقه ولا يقطع الآخر، وحينئذ لا يمكن أن نرتب على هذا التقسيم تكفير المخالف للخبر إذا قال إن الحديث لم يتواتر عندي ولم أقطع بصحته عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا قد دعا بعض العلماء إلى إنكار التقسيم من أساسه، وعدم التعويل عليه، وعدم التفريق بين ما سماه المحدثون متواترا وما سموه آحادا متى صح سنده، وقالوا: العبرة بصحة الخبر، فمتى صح وجب العمل به قطعا.
وينقسم الخبر من حيث صحته إلى ثلاثة أقسام: صحيح، وحسن، وضعيف:
1 ـ الصحيح:
وهو ما رواه عدل تام الضبط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسَلِم من الشذوذ والعلة القادحة.
ومعنى قولهم: (عدل)، أي: مرضي في دينه وخلقه، وهو المواظب على الواجبات المجتنب للكبائر وما يخل بالمروءة من الصغائر.
وقولهم: (تام الضبط)، أي: أنه يغلب عليه حفظ ما سمعه من الحديث وعدم مخالفة الثقات في ذلك.
وقولهم: (عن مثله)، أي: أن رجال السند لا بد أن يكونوا كذلك من لدن الراوي الذي نقل لنا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقولهم: (وسلم من الشذوذ والعلة القادحة):
الشذوذ: هو مخالفة الراوي للثقات الأثبات.
والعلة القادحة: وصف خفي يوجب رد الحديث. وهذا لم يضبطه المحدثون بضابط محدد، وإنما ذكروا أمثلة للأحاديث المعلة كما فعل الترمذي في علل الحديث، وفعله غيره من علماء الحديث.
ويصرح كبار النقاد من المحدثين بأن نقد الحديث صناعة لا يتقنها إلا أهلها، ويدل على ذلك القصة المنقولة عن أبي حاتم الرازي حين أعل بعض الأحاديث، فقال له السائل: تدعي علم الغيب؟ قال: ما هذا ادعاء علم الغيب، قال: فما الدليل على ما تقول؟ قال: سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم، فذهب السائل إلى أبي زرعة فسأله فوجد جوابه مطابقا لجواب أبي حاتم، ثم رجع إلى أبي حاتم وقال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما (1).
وأما الأصوليون فقد ذكروا صفات يُرَدّ لها خبر الآحاد عند بعض العلماء، وهذا من قبيل إعلال الحديث بعلة قادحة عند من رد الحديث لأجلها، ومن ذلك أن الحنفية قالوا إذا انفرد الراوي برواية ما تعم به البلوى فلا يقبل حديثه، ومثلوا له بحديث: الوضوء من مس الذكر، وحديث: إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل.
وقالوا هم وغيرهم إذا انفرد بما تتوافر الدواعي على نقله من العدد الكثير لا تقبل روايته، وإذا خالف خبر الآحاد النص الصريح من القرآن لا يقبل، ومثلوا للأول بما يحتج به الشيعة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عهد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة بعده، وللثاني بما رواه عمر وابنه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» متفق عليه. فإن عائشة رضي الله عنها ردت
(1) ينظر: اهتمام المحدثين بنقد الحديث، لمحمد لقمان السلفي ص 332.