الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أنكر الشاطبي وجود النوع الثالث، وقال إنه راجع إلى النوع الأول.
شروط الحنفية لقبول خبر الواحد:
اشترط أكثر علماء الحنفية لقبول خبر الآحاد الذي لم يبلغ درجة الشهرة عندهم شروطا خالفهم فيها جمهور العلماء، وفيما يلي نذكر هذه الشروط، ودليل اشتراطها، ورأي جمهور العلماء فيها:
1ـ أن لا يكون الخبر فيما تعم به البلوى، ومرادهم بما تعم به البلوى ما يحتاج إليه أكثر الناس حاجة متأكدة متكررة، فإذا كان الحكم الذي تضمنه خبر الواحد مما يحتاج أكثر الناس إلى بيانه لكثرة وقوعهم في سببه وتكرر حدوثه فلا بد أن ينقله عدد كبير يحصل بنقلهم العلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يبين حكمه لعموم الناس، ولا يكتفي ببيانه لواحد أو اثنين.
ومثلوا هذا بخبر بسرة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مس ذكره فليتوضأ» (أخرجه مالك وأحمد والترمذي والنسائي) وخبر جابر رضي الله عنه في الأمر بالوضوء من لحم الإبل، (رواه مسلم) قالوا ليس من المعقول أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان نقض الوضوء بمس الذكر لعموم الناس مع أن أكثرهم لا يلبس السراويل مما يجعل إفضاءه بيده إلى ذكره كثير الحدوث، ثم كيف تختص بسماع هذا الحديث امرأة مع أن المقصود به في المقام الأول الرجال؟.
وفي الحديث الثاني قالوا: إن عادة أكل لحوم الإبل منتشرة في عهد الصحابة، فلو كان أكل لحم الإبل ناقضا للوضوء لتكرر من الرسول صلى الله عليه وسلم التنبيه عليه وإبلاغه إلى عامة الناس، ولو فعل لم يقتصر نقله على واحد أو اثنين من الصحابة.
وجمهور العلماء يقولون إذا صح الحديث وجب قبوله والعمل به، سواء أكان مما تعم به البلوى أم لا، ونقل الحديث من واحد أو اثنين لا يدل على أن
البقية لم يسمعوه ولم يعلموا به؛ لأن الصحابة كان أكثرهم يتحرج من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كفاه غيره رواية الحديث سلم من العهدة.
وبعض العلماء حملوا هذين الحديثين وما جرى مجراهما على الندب دون الوجوب، وهم مطالبون ببيان الصارف للأمر عن الوجوب ولا حجة لهم سوى ما ذكره الحنفية.
2ـ عدم مخالفة الخبر للأصول والقواعد الثابتة في الشريعة، وقد يعبر عنه بعضهم بعدم مخالفة الأصول أو عدم مخالفة القياس، ولا يعنون بالقياس معناه الضيق بل ما تقرر من قواعد الشريعة ودلت عليه أصولها وفروعها.
ومثلوا لمخالف القياس بحديث المصراة الوارد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُصَرُّوا الأبلَ والغنمَ، فمن ابتاعها فهو بخيرِ النظَرَينِ بعد أن يحتلبَها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر» .
ووجه مخالفة هذا الخبر للأصول: أن قواعد الشرع تقضي بأن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، وفي الحديث ضمان لبن المصراة بصاع من تمر، والصاع ليس مثلا للبن ولا مساويا لقيمته، فهو مخالف لقواعد الشرع.
وحجة الجمهور أن الخبر إذا خالف غيره من الأصول صار أصلا بنفسه، فيجمع بينه وبين غيره بحمل كل من الأحاديث على معناه.
3ـ أن يكون الراوي فقيها، وهذا الشرط ذكره بعضهم مطلقا، وقال بعضهم إنما يشترط هذا إذا كان الحديث مخالفا للقياس (1).
والصحيح قبول خبر العدل سواء كان فقيها أو غيره إذا لم يعارض بما هو
(1) ينظر: بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والإحكام، لابن الساعاتي 1/ 384، وتيسير التحرير 3/ 52، 116، وفواتح الرحموت 2/ 145.
أقوى منه.
والدليل على ذلك أن الأدلة الدالة على قبول خبر الواحد لم تشترط الفقه في الراوي.
4ـ أن لا يعمل الراوي من الصحابة بخلاف روايته، فإن عمل بخلاف ما رواه لم يقبل حديثه، ومثلوه بخبر أبي هريرة مرفوعا:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا» مع أن أبا هريرة كان يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا، وعللوا هذا بأن الراوي عدْل فإذا خالف ما روى دل على نسخه؛ إذ لو تركه مع عدم نسخه لكان ذلك قادحا في عدالته.
والجمهور قالوا إن العبرة بما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا بما يفعله الصحابي، فالصحابي ليس معصوما من الخطأ والنسيان، فقد يكون ترك العمل به نسيانا أو تقصيراً.