الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أـ
…
تعريف أصول الفقه بالنظر الأول:
أصول الفقه مركب من مضاف ومضاف إليه، وتعريفه يقتضي معرفة جزءيه، والمضاف إليه آصل من المضاف، فينبغي أن نعرفه أولا ثم نعرف المضاف.
تعريف الفقه:
الفقه في اللغة: الفهم، أو هو معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه، كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات، أو هو فهم الأشياء الدقيقة، ومنه قوله تعالى:{وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء44]{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود91].
وفي الاصطلاح: «العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية» .
شرح التعريف:
قولهم: (العلم): جنس، يشمل العلم بالأحكام الشرعية وبغيرها من التصورات والأحكام. والمراد به هنا مطلق الإدراك الشامل للظن واليقين. وليس المراد به الإدراك القطعي اليقيني؛ لأن كثيرا من مسائل الفقه ظنية، بل إن من العلماء من خص الفقه بمعرفة المسائل الاجتهادية ولم يجعل المسائل الظاهرة التي يشترك في معرفتها العامة والخاصة من الفقه. أو يقال: المراد بالعلم مجموعة المعارف المندرجة تحت هدف كلي واحد، كما يقال: علم الطب، وعلم الفلك، مع أن كثيرا من قضاياهما ظني. وهذا أولى من جواب الرازي الذي زعم فيه أن الفقه ليس من باب الظنون؛ لأنه مبني على مقدمتين قطعيتين فيكون قطعياً.
وهاتان المقدمتان هما:
1 -
مقدمة وجدانية، وهي ما يجده المجتهد في نفسه من الظن بأن هذا حكم الله.
2 -
مقدمة إجماعية، وهي الإجماع على أن ما هذا شأنه يجب العمل به.
وإنما قلت: إن هذا أولى؛ لما في جواب الرازي من التكلف.
وقولهم: (بالأحكام): قيد أخرج العلم بما لا حكم فيه وهو التصور. والحكم يراد به هنا: إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه.
وقولهم: (الشرعية): أخرج العلم بالأحكام غير الشرعية كالحكم بصحة العبارة لغة أو بخطئها، وكالعلم بنفع هذا الدواء للمريض وضرره، فالأول حكم لغوي، والثاني طبي.
وقولهم: (العملية) أي: المتعلقة بما يصدر عن الناس من أعمال كالصلاة والزكاة والصوم والبيع، وهذا القيد يخرج الأحكام الاعتقادية، فإن العلم بها لا يسمى فقها في الاصطلاح؛ لاختصاص الفقه بالعلم بالأحكام العملية، وهذا لا ينفي أنهم كانوا يطلقون اسم الفقه الأكبر على مسائل الاعتقاد، ولكن هذا العلم اختص باسم آخر وهو علم التوحيد أو علم الكلام.
وقولهم: (المكتسب): صفة للعلم، والعلم المكتسب هو الحادث الذي يحصل باجتهاد وعمل، فيخرج علم الله جل وعلا فإنه أزلي، وعلم جبريل عليه السلام فإنه حصل بإعلام الله له ولا كسب له فيه، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه فإنه علم لدُنِّيٌّ فلا يسمى فقها في الاصطلاح، وأما ما حصل باجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم فيدخل في مسمى الفقه.
وقولهم: (من أدلتها التفصيلية)، متعلق بقولهم المكتسب، فالأدلة هي وسيلة اكتساب هذا العلم، وهذا يخرج علم المقلد فإنه ليس مكتسبا من الأدلة بل
اكتسبه بتقليد غيره.
والأدلة التفصيلية: هي الأدلة الجزئية الخاصة بكل مسألة فقهية، مثل آية:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة 3] الدالة على تحريم كل أجزاء الميتة. وحديث: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» (أخرجه أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عباس مرفوعا، ومعناه في صحيح مسلم) الدال على طهارة جلد الميتة بالدبغ، وقياس الخنزير على الكلب في وجوب غسل الإناء من سؤره سبعا، وهكذا سائر الأدلة التفصيلية.
ومع أن كلمة الفقه لم تكن تطلق في الاصطلاح الأول إلا على الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية بنوع من الاجتهاد، غير أن المتأخرين أصبحوا يطلقون هذه الكلمة على جميع الأحكام العملية التي تحويها كتب الفقه المصنفة مع أن فيها ما يشترك في معرفته الخاص والعام من المسلمين؛ لدلالة النصوص القطعية المشتهرة عليه، فيكون الفقه اسما لمجموع تلك المسائل لا للعلم بها أو ببعضها.
وتأسيساً على ما سبق أصبح اسم الفقيه يطلق على من عرف تلك الأحكام، سواء عرفها بنظر واجتهاد، أو عرفها تقليدا لإمام من الأئمة.
ولو راعينا المعنى المراد من كلمة الفقه في عرف القرآن والسنة وعرف الصحابة والتابعين، لقصرنا اسم الفقيه على من عرف الأحكام الشرعية التي تحتاج في إدراكها إلى نظر واجتهاد دون ما يشترك فيه عامة المسلمين، وكانت معرفته مبنية على إدراك أدلتها لا تقليداً لغيره، ولم نفرق بين الأحكام الاعتقادية والعملية.
وهاهنا سؤال أورده الآمدي وغيره، خلاصته: أن الفقه إذا كان هو العلم بالأحكام الخ، فينبغي أن لا يسمى فقيها إلا من علم تلك الأحكام كلها، وهذا
لا يجتمع لواحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن العلماء توقفهم في بعض المسائل ولم يمنع ذلك من إطلاق وصف الفقه عليهم، ولم يخرجوا من الفقهاء لتوقفهم.
والجواب عنه: أن المراد بالعلم بتلك الأحكام ليس حضورها في ذهن العالم بالفعل، وإنما حضور أكثرها في ذهنه، وقدرته على استنباط بعضها بعد النظر والاجتهاد، فيكون علمه لبعضها بالفعل وللباقي بالقوة القريبة بحيث يستطيع معرفتها دون حاجة إلى تعلم علم جديد.
تعريف الأصول:
الأصول: جمع أصل، وهو في اللغة: ما يبنى عليه غيره. ويطلق على منشأ الشيء.
وفي الاصطلاح: أطلق لفظ الأصل على عدة معان، أهمها ما يلي:
1 -
الدليل: كما يقول الفقهاء: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع، أي: الدليل عليها.
2 -
القاعدة المستمرة: كما يقول الأصوليون: الأصل أن الخاص مقدم على العام عند التعارض، وكما يقول النحاة: الأصل في المبتدأ التقديم وفي الخبر التأخير.
3 -
الراجح: كما يقول الأصوليون: الأصل بقاء ما كان على ما كان. والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية.
4 -
مخرج المسألة الفرضية، أي: العدد الذي تخرج منه الفروض المقدرة بلا كسر، كما يقول الفرضيون: أصل هذه المسألة كذا، وأصول المسائل 2، 3، 4، 6، 8، 12، 18، 24.