الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقتضاء الأمر الإ جزاء بفعل المأمور به
هذه المسألة من المسائل التي لم تحرر في كتب أصول الفقه تحريراً يكشف الغطاء عن حقيقتها، وأرجو أن أوفق إلى ذلك فأقول:
عنون الغزالي وابن قدامة للمسألة بقولهما: «الأمر هل يقتضي الإجزاء بفعل المأمور به؟» وعنون أبو الخطاب والرازي والآمدي بقولهم: «إتيان المأمور به هل يقتضي الإجزاء؟» فجعلوا المقتضي للإجزاء هو إتيان المأمور به، وبين العنوانين فرق لا يخفى على اللبيب.
وقبل الكلام في حكاية الخلاف نقول: ما المراد بالإجزاء؟
والجواب: أن الإجزاء يطلق على معنيين:
1 -
موافقة أمر الشارع وامتثاله.
2 -
سقوط القضاء.
وقد ذهب بعض المعتزلة إلى المعنى الأول، وأكثر الفقهاء إلى الثاني كما تقدم في باب الحكم الوضعي.
وفعل المأمور به على الوجه المطلوب من الشارع لا خلاف في أنه يقتضي الإجزاء بالمعنى الأول وهو موافقة أمر الشارع وامتثاله، وإنما الخلاف في أنه هل يقتضي الإجزاء بمعناه الثاني الذي هو سقوط القضاء.
وقد ذكرت كتب الأصول خلافاً في المسألة على قولين:
القول الأول: أن فعل المأمور به يقتضي الإجزاء بمعنى سقوط القضاء، فإذا فعل المكلف الفعل المأمور به لا يمكن أن يؤمر بقضائه.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
أن المكلف قد أتى بما طلب منه، فوجب أن يخرج عن العهدة بذلك الفعل، وسقوط القضاء يعني الخروج عن العهدة.
2 -
لو كان فعل المأمور به على الصفة المطلوبة لا يسقط القضاء للزم أن يكون الأمر يوجب فعل المأمور به مرة بعد مرة. وهذا قد أبطلناه في مسألة اقتضاء الأمر التكرار.
3 -
ما ورد في الحديث أن امرأة سنان بن مسلمة الجهني أمرت أن يُسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ أن تحج عنها؟ فقال: «نعم» (أخرجه النسائي وابن ماجه).
ووجه الدلالة: أن المرأة فهمت الإجزاء من فعل المأمور به وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وقد ورد حديث آخر أصح ليس فيه لفظ (يجزئ) ولكن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الواجبات بالدين وقال: «فدين الله أحق بالوفاء» ، والدين إذا وفّى به المدين أجزأة وبرئت ذمته باتفاق، فدين الله كذلك.
القول الثاني: أن فعل المأمور به لا يقتضي الإجزاء بمعنى سقوط القضاء واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 -
أن من أفسد حجه يؤمر بالمضي فيه وإتمامه، ويجب عليه القضاء، ولو كان فعل المأمور به يسقط القضاء لما وجب القضاء على من أفسد حجه.
2 -
من صلى يظن أنه متطهر، ثم تبين له أنه صلى بلا طهارة، فإنه يجب عليه القضاء باتفاق، ولو كان فعل المأمور به يوجب سقوط القضاء لسقط القضاء عنه.
3 -
أن القضاء يجب بأمر جديد ولا يمتنع أن يأتي أمر آخر بوجوب القضاء مع فعل المأمور به.
4 -
أن الأمر يقتضي وجوب الفعل، وأما سقوط القضاء فهو شيء آخر لم يتعرض له الأمر، ولم يدل عليه.
والراجح: أن إتيان المكلف بالمأمور به على الوجه المطلوب يقتضي الإجزاء أي: سقوط القضاء ولا نقول: إن الأمر يقتضي الإجزاء، لأن الذي اقتضى ذلك العقل والشرع وليس المعنى الوضعي للأمر
والجواب عن أدلة المخالف على النحو التالي:
قولهم: من أفسد حجه وجب عليه المضي فيه والقضاء، يجاب بجوابين:
الأول: أن من أفسد حجه لم يأت بالمأمور به على الوجه المطلوب، وإنما أتى به مع شيء من الخلل، ولهذا وجب عليه القضاء
الثاني: أن المفسد لحجه توجه إليه أمران: أحدهما: الأمر بالحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران97]. والثاني: الأمر بالإتمام المفهوم من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة196]. ومن قول عمر رضي الله عنه، وإجماع الصحابة على ذلك.
فالمضي في الحج الفاسد هو امتثال للأمر الثاني، وإذا أتمه اقتضى ذلك الإجزاء وأما الأمر الأول فلم يأت به على الوجه المطلوب، ولذا وجب قضاؤه.
وأما استدلالهم بوجوب القضاء على من صلى يظن أنه متطهر، فيجاب عنه بجوابين:
1 -
المنع من وجوب القضاء. وذكره الآمدي وجها للشافعية.