الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهرُ لي عدمُ جواز التسوية بين العاميّ الصِّرْف الذي لا يفقه الدليلَ حتى لو تُلي عليه، والمتعلمِ الذي يُمكنه معرفةُ الدليل ووجهُ دلالته، ولكنه لا قدرةَ له على ردّ أدلة القول المخالف أو لا علمَ له بها.
فالأول مقلِّدٌ، والأخيُر متَّبعٌ للدليل.
وعلى ذلك: فيمكن الأخذُ بتعريف الفريق الثاني للتقليد من غير زيادة.
أركانُ التقليد:
للتقليد ثلاثةُ أركانٍ، هي:
1 -
المقلِّدُ.
2 -
المقلَّدُ.
3 -
المقلَّدُ فيه.
فالأولُ هو العاميُّ، والثاني هو المجتهدُ، والثالثُ هو الحكمُ المأخوذُ عن المجتهد بطريق التقليد من غير معرفة دليله.
حكمُ التقليد:
تكلّم الأصوليون في حكم التقليد، ففرّقوا بين التقليد في الأصول والتقليدِ في الفروع، وحصل في نقل الأقوال خلطٌ كثيٌر، والسببُ عدمُ اتفاقِهم على تعريف التقليد.
فالذين عرّفوا التقليدَ بأنه: «قَبول قولِ الغير من غير حجةٍ» وقصدوا بهذا أن القولَ المقلَّدَ فيه لا حجةَ عليه إلا قولُ المجتهد أو فعلُه ذهبوا إلى تحريمه والمنعِ منه، وهو ما فعله ابنُ حزم وابنُ القيم والشوكانيُّ، ونقلوه عن جمهور العلماء.
ولا ينبغي أنْ يُفهمَ من هذا أنهم يمنعون العامةَ من سؤال العلماء، فإن هذا
مجمعٌ عليه لا يُنكره أحدٌ، ولكنهم لا يُسمونه تقليداً، إذا كان العالِمُ أفتى بقول بناءً على الدليل.
وقد أوجب ابنُ حزم على العاميّ أنْ يسألَ المفتيَ عن دليله، فلا يَقبل فتواه إلا إذا ذكر له الدليلَ، أو قال له: إن هذا حكمُ الله جلّ وعلا.
وحينئذٍ عنده أن السائل لا يكون مقلِّداً، بل متَّبعاً لشرع الله الذي ظهر على لسان المفتي.
وأما ابنُ القيم والشوكانيُّ فقد اتجه ذمُّهما للتقليد إلى ما يفعله أتباعُ المذاهبِ من الفقهاء الذين يتّبعون مذاهبَ أئمتِهم ولو تبيّن لهم أن الدليلَ قامَ على خلافها! فلهذا حرّموا التقليدَ وشنّعوا على مَن أجازه.
ونقل الشوكانيُّ أن مذهبَ جماهير العلماء تحريمُه.
وما ذاك إلا لأنه فسّره بأنه: «قَبولُ قولُ الغيرِ دونَ حجةٍ» (1).
وأما الفريقُ الثاني الذين عرّفوه بأنه: «قَبولُ قولِ الغير من غيِر معرفةِ دليلِه» أو نحو ذلك، فإنهم فرّقوا بين التقليد في أصول الإيمان، والتقليد في الفروع، فمنعوا الأولَ وأجازوا الثاني.
وفيما يلي بيانُ الخلاف المذكور في الموضعين.
(1) إرشاد الفحول ص 247.