الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الثوب الحرير للرجل، وفي الثوب المغصوب فالنهي عن الغصب في الأولى تعلق بشرط عادي، وهو أن العادة تقتضي بأنه لا بد للصلاة من مكان، فالمكان شرط عادي للصلاة، وقد تعلق به النهي، وفي الثانية والثالثة تعلق النهي بشرط شرعي، وهو ستر العورة.
الأدلة على أن النهي يقتضي الفساد في القسمين الأولين: (المنهي عنه لذاته، أو لوصف ملازم):
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (أخرجه مسلم).
ومعناه: أن كل عمل ليس من أمر الإسلام ولا من شرعه فهو مردود على صاحبه والمنهي عنه ليس عليه أمر الإسلام، فيكون مردودا.
2 -
إجماع الصحابة والتابعين على بطلان البيوع الربوية للنهي عنها.
3 -
حديث فضالة بن عبيد في بيع القلادة التي فيها خرز وذهب بذهب وفيه الأمر بردها (أخرجه مسلم).
4 -
أن المنهي عنه مفسدة، والقول بصحته مع النهي عنه يدفع المكلفين إلى عصيان النهي، ومعلوم أن من عادة الشارع إذا حرم شيئا أنه يضيق الطرق الموصلة إليه، وفي تصحيح المنهي عنه فتح لذريعة المحرم، وهذا ينافي عادة الشرع.
5 -
أن الصحة تضاد النهي؛ لأن الصحيح مأذون فيه، والمنهي ليس مأذونا فيه، فلا يمكن أن يكون منهياً عنه وصحيحاً في آن واحد.
أدلة من قال إن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه:
1 -
أن النهي لا تعرّض فيه للصحة ولا للفساد، وإنما معناه تحريم الفعل وتحريم الفعل لا يمنع ترتيب آثاره عليه إذا فعل.
2 -
أن المنهي عنه لابد أن يكون متصور الوقوع؛ لأن الشارع لا ينهى عن المستحيل عقلاً أو شرعاً أو عادة. فثبت أنه ممكن الوقوع، والواقع هو المعنى الشرعي، فثبت أن النهي عن الشيء دليل على صحته لو وقع.
3 -
أن الشرع نهى عن الطلاق في الحيض، وقال أكثر العلماء بوقوعه، ولو أن النهي يقتضي الفساد لما وقع.
والصحيح القول الأول، ويجاب عن أدلة القول الثاني بما يلي:
1 -
قولهم: إن النهي لا تعرض فيه للصحة والفساد، هو محل النزاع، فلا يصح الاستدلال به، وإذا كان المقصود أنه من حيث اللغة لا تعرض فيه لذلك فإننا نقول: دلالته على الفساد من قبيل العرف الشرعي.
2 -
قولهم: إن المنهي عنه لابد أن يكون متصور الوقوع. يجاب بأنه يتصور وقوع صورته في الوجود وأما حقيقته الشرعية فلا تقع مع النهي عنه.
3 -
قولهم: إن الطلاق في الحيض منهي عنه ومع ذلك يقع. عنه جوابان:
الأول: جواب من لا يرى وقوع الطلاق في الحيض ويطرد القاعدة في هذه المسألة وغيرها، وهؤلاء منعوا وقوع الطلاق في الحيض.
الثاني: جواب من يرى وقوع الطلاق في الحيض، وهؤلاء قالوا: إن آثار الفعل إن كانت مما يضر بالفاعل فتقع عقوبة له، وأما إن كانت مما ينفعه فلا تقع والطلاق في الحيض قلنا بوقوعة نكاية بالفاعل.
وأما النهي الذي لم يتجه إلى الفعل وإنما توجه لأمر خارجي له علاقة بالفعل كشرطه أو محله فالظاهر أنه لا يقتضي فساد الفعل المأمور به أو المأذون فيه كما تقدم.
ومثاله: الصلاة في الدار المغصوبة؛ فإنه لم يرد نهي عن الصلاة في الدار
المغصوبة، وإنما ورد النهي عن الغصب والأمر بالصلاة، فإذا صلى في الدار المغصوبة صحت صلاته، وعليه إثم الغصب. وكذلك حج المرأة بلا محرم يصح، وتسقط به الفريضة، وتأثم على خروجها بلا محرم.
وكذلك يقال في البيع مع تلقي الركبان، والبيع مع النجش، فإنهما ينعقدان مع الإثم.
والدليل على ذلك أن الأمر والنهي في هذه الصور لم يردا على محل واحد، بل على محلين فيمكن أن يصح الفعل المأمور به أو المأذون فيه، ويترتب الإثم على مخالفة النهي، فالمصلي في الدار المغصوبة يثاب على صلاته ويأثم على غصبه، والبيع مع النجش يصح، ويثبت به الملك، ويأثم الناجش، ويثبت الخيار للمشترى إذا غبن.
ومما يدل على ذلك أيضا أن الفعل في هذه الصورة مستكمل الشروط والأركان فيجب الحكم بصحته.
وأدلة القائلين إن النهي لا يقتضي الفساد مطلقاً تحمل على هذه الصورة دون غيرها. والله أعلم.