الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الذين عبروا بالمنطوق والمفهوم، فمنهم من جعل هذه الدلالات الأربع المتقدمة داخلة تحت المفهوم، ومنهم من جعل الثلاث الأولى داخلة تحت المنطوق غير الصريح، والرابعة هي المسماة بالمفهوم.
وهذا الاختلاف لا يترتب عليه فائدة سوى معرفة الاصطلاح، وقد وقع فيه كثير من الخلط والوهم.
والأولى سلوك طريق مَن قسّم الدلالة إلى دلالة المنظوم ودلالة غير المنظوم.
فالأولى معروفة، وهي: كل دلالة يكون الدال فيها دل بالوضع اللغوي. وهي تشمل دلالة المطابقة ودلالة التضمن.
والثانية، هي: دلالة الالتزام. وهي دلالة اللفظ على معنى خارجي لازم للمنطوق به.
وقد يقال: ما دل عليه اللفظ لا بصريح صيغته ووضعه. ويشمل
دلالة الاقتضاء
، ودلالة الإشارة، ودلالة الإيماء، ودلالة المفهوم.
وإليك التعريف بكل منها مع أمثلته.
1 -
دلالة الاقتضاء:
هي دلالة اللفظ على معنى مسكوت عنه يجب تقديره لصدق الكلام أو لصحته شرعا أو عقلا.
والمعنى المدلول عليه بالاقتضاء يسمى المقتضى (اسم مفعول) وهو ثلاثة أنواع:
1 ـ ما يجب تقديره لصدق الكلام ومطابقته للواقع، مثل دلالة قوله صلى الله عليه وسلم:«لا وصية لوارث» (أخرجه البخاري) على المقدر المحذوف، وذلك أن الناس قد يوصون للورثة ولكن المنفي صحة تلك الوصية، والتقدير: (لا وصية
صحيحة أو نافذة).
2 ـ ما يجب تقديره لصحة الكلام شرعا، مثل قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة184]، فههنا محذوف يجب تقديره حتى يصح الكلام شرعا، وهو عبارة (فأفطر)، للاتفاق على أن من كان مريضاً أو على سفر ولم يفطر فلا قضاء عليه. ولو لم نقدر العبارة السابقة لوجب القضاء على المريض والمسافر حتى لو صاما، ولم ينقل هذا إلا عن بعض الظاهرية.
3 -
ما يجب تقديره لصحة الكلام عقلا، مثل:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف82] فالعقل يقضي بأن القرية لا تسأل فلا بد من تقدير: (أهل القرية).
وهذه الأنواع قد تسمى عند بعضهم دلالة الإضمار، والمعنى المقدر يسمى المضمر أو المقتضَى.
وقد اختلفوا في عموم المقتضى أو المضمر، فذهب بعضهم إلى عمومه، وبعضهم إلى أنه لا يعم.
واحتج القائلون بعموم المقتضى بأنه إذا أمكن تقدير معنى عام لا يمكن أن نقدر الأخص منه إلا بدليل، فإذا عدم الدليل قدرنا العام.
ولهذا قالوا في حديث: «رفع عن أمتي الخطأ» نقدر الحكم ليكون اللفظ كأنه: رفع عن أمتي حكم الخطأ، فهذا يشمل المؤاخذة الدنيوية والأخروية إلا ما دل الدليل على استثنائه فيكون مستثنى ومخصصا مثل ضمان المتلفات خطأ.
والقائلون بأن المقتضى لا عموم له، احتجوا بأن التقدير خلاف الأصل فيكتفى منه بما يصحح الكلام من غير زيادة فلا يعم، وقالوا في الحديث المتقدم: نقدر: الإثم، ليكون كأنه قال: رفع عن أمتي إثم الخطأ.