الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: الظاهر:
وهو في اللغة: خلاف الباطن، وهو الواضح، يقال: ظهر الأمر إذا انكشف.
وفي الاصطلاح: ما احتمل معنيين هو في أحدهما أظهر.
وهذا يدل على أن الظاهر صفة للفظ؛ لأن اللفظ هو الذي احتمل معنيين، وقد يطلقون لفظ الظاهر على المعنى الراجح الذي دل عليه اللفظ مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا، فيقولون: هو الاحتمال الراجح.
ومثاله: دلالة الأمر على الوجوب مع احتمال الندب، ودلالة النهي على التحريم مع احتمال الكراهة، كقوله صلى الله عليه وسلم:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (متفق عليه) وقوله: «لا تبع ما ليس عندك» (أخرجه أحمد وأصحاب السنن)، وقوله:«لا تلقوا الجلب» (أخرجه مسلم).
وهكذا كل حقيقة احتملت المجاز ولم تقم قرينة قوية تدل على ذلك فهي ظاهرة في المعنى الحقيقي.
وقد يعرفون الظاهر بما كانت دلالته على المعنى دلالة ظنية لا قطعية؛ تفريقا بينه وبين النص، وقد وقع للشافعي تسمية الظاهر نصا كما نقل ذلك الإمام الجويني وغيره.
المؤول:
إذا ذكر الظاهر ذكر معه المؤول.
والمؤول في اللغة: اسم مفعول من التأويل، وفعله آل يؤول، بمعنى: رجع، فيكون المؤول بمعنى المرجوع به، والتأويل بمعنى الرجوع.
وفي الاصطلاح: المؤول: هو اللفظ المحمول على الاحتمال المرجوح بدليل،
سمي بذلك لأن المؤوِّل يرجع معنى اللفظ إلى المعنى البعيد الذي لم يكن موضوعا له لدليل يذكره.
والتأويل: حمل اللفظ على الاحتمال المرجوح بدليل.
وهذا التعريف يشمل التأويل الصحيح والتأويل الفاسد.
فالتأويل الصحيح: حمل اللفظ على الاحتمال غير المتبادر للذهن بدليل قوي يقتضي ذلك.
والتأويل الفاسد: حمل اللفظ على الاحتمال غير المتبادر للذهن بدليل ضعيف لا يقوى على صرف اللفظ عن ظاهره.
والمؤوَّل هو: اللفظ المصروف عن ظاهره بدليل، فإن كان الدليل قويا يقتضي رجحان الاحتمال الذي كان مرجوحا لولاه فهو تأويل صحيح وإلا كان باطلا.
مثال التأويل الصحيح: تخصيص العام بدليل خاص، مثل تخصيص قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة275] بالأحاديث الدالة على تحريم البيع على بيع أخيه، والبيع مع النجش، وبيع الحصاة ونحوه من بيوع الغرر.
فحينئذ نقول: هذه الآية مصروفة عن عمومها الذي كان هو المتبادر من اللفظ، والصارف لها الأدلة السابقة.
ومثله تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل98]، على أن المراد: إذا أردت قراءة القرآن، وليس المراد إذا فرغت من قراءته كما يفيده ظاهر اللفظ من حيث الوضع.
ومثله قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة6]، فإنها مؤولة عن ظاهرها، والمقصود: إذا أردتم القيام للصلاة؛ لأن الوضوء يسبق القيام للصلاة.
ومثال التأويلات الباطلة: تأويل الحنفية حديث غيلان عندما أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن» (أخرجه مالك والدراقطني وابن حبان) على أن المراد: أمسك الأربع الأول منهن، أو على أن المراد ابتدئ نكاح أربع منهن.
ومما يبطل هذا التأويل أن الشبهة التي استندوا إليها لا تقوى على ترجيح ما ذكروه من احتمال بعيد؛ لأنهم قالوا: إن المتأخرات نكاحهن باطل فلا يجوز أن يختار منهن أحدا إلا بعقد جديد.
والجواب: عن هذا أن الرجل الذي جاء الحديث في شأنه حديث الإسلام ولا يعرف شروط النكاح وأركانه، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم اشتراط أن تكون الأربع هن المتقدم نكاحهن لبين له ذلك، ولَمّا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان ذلك عرفنا أن الأمر متروك لاختيار الزوج.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر الكفار الذين أسلموا على أنكحتهم ولم يغيرها ولم يأمر بتجديدها مما يدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد الإسلام؛ إذ لو حصلت لم يخير.
وكذلك تأويلهم حديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي)، بأن المراد بها الصغيرة أو الأمة أو المكاتبة، ولا يخفى بعد هذا الاحتمال.