الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدليل على اشتراطه أن من كثر منه الغلط فيما ينقله ويرويه لا يغلب على الظن صدقه، ومن لا يغلب على الظن صدقه لا يقبل خبره في الدين.
حجية السنة:
السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ولا يختلف المسلمون في حجية السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالأخبار المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حجة باتفاق المسلمين.
وأما أخبار الآحاد فقد خالف فيها بعض المتكلمين، فقال بعضهم إنها ليست حجة، وقال بعضهم يشترط في حجية خبر الآحاد أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان ويرويه عن كل واحد منهما اثنان حتى يصل إلينا.
وهذه المذاهب لم يعتنقها ـ والحمد لله ـ أحد من الأئمة المتبوعين، بل جميعهم اعتدوا بأخبار الآحاد إذا صحت واحتجوا بها.
ومما استدلوا به على حجية أخبار الآحاد ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة122].
وجه الدلالة: أن الطائفة في اللغة تطلق على الواحد وعلى العدد القليل والكثير، وقد أوجب الله عليهم أن ينذروا قومهم، ولولا أن نذارتهم مقبولة لما كان لإيجاب النذراة عليهم فائدة.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل رسله وأمراءه وقضاته وسعاته المأمورين بجمع الزكاة، وهم آحاد فلو لم يجب قبول خبرهم عنه لما أرسلهم، ولما حصل المقصود بإرسالهم.
3 -
إجماع الصحابة على قبول خبر الواحد والعمل به، ويدل على إجماعهم قضايا ووقائع لا يمكن تكذيبها مجتمعة، ومن ذلك:
ـ
…
أن أبا بكر رضي الله عنه ورث الجدة السدس بعد أن ردها، وقال: ما علمت لك في كتاب الله حقا، ولا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الصحابة فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، وشهد معه محمد بن مسلمة فأعطاها أبو بكر السدس (أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
ـ
…
وعمر رضي الله عنه ورث المرأة من دية زوجها لما روي له أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها (رواه الترمذي وصححه)، وكان لا يرى ذلك قبل سماع الحديث.
ـ
…
ومن ذلك ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ من استدلاله بالحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف في دخول البلد الذي وقع فيها الطاعون (أخرجه مسلم)، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
4ـ إجماع العلماء على أن المستفتي مأمور بقبول قول المفتي وهو واحد، وإجماعهم على أن القاضي يجب عليه القضاء بشهادة عدلين مع أن خبرهما يحتمل الكذب.
والذين اشترطوا لقبول خبر الآحاد أن يرويه اثنان عن النبي صلى الله عليه وسلم ويرويه عن كل واحد منهما اثنان إلى أن يصل إلينا احتجوا بما يلي:
1 -
قياس الرواية على الشهادة.
2 -
ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه طالب أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بمن يشهد معه حينما روى له حديث الاستئذان ولم يقبله حتى شهد له أبو سعيد الخدري
(متفق عليه)، وأبو بكر لم يقبل خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى شهد معه محمد بن مسلمة كما تقدم.
وأما الذين أنكروا الاحتجاج بما ليس بمتواتر فأهم ما احتجوا به ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء36]. قالوا وخبر الآحاد لا يفيد العلم فلا يجوز اتباعه.
2ـ ما روي عن بعض الصحابة من ردهم لبعض الأخبار كرد عائشة لخبر عمر وابنه في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، ورد ابن عباس خبر أبي هريرة في الميت:«من حمله فليتوضأ» (أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه) وقال: لا يلزمنا الوضوء من حمل عيدان يابسة.
والجواب عن أدلة المشترطين للقبول رواية اثنين كما يلي:
قياسهم الرواية على الشهادة لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، فالرواية خبر عام في الدين والشهادة إلزام لشخص بعينه فيتهم الشاهد الواحد بقصد الإضرار بالشخص المعين ولا يتهم الراوي المسلم العدل بالإضرار بالأمة عموما.
وشهادة العبد مردودة عند الجمهور وروايته مقبولة باتفاق. وشهادة المرأة مردودة في بعض الوقائع وروايتها مقبولة باتفاق.
وأما استدلالهم بما روي عن بعض الصحابة من طلب من يشهد للراوي الواحد فيجاب عنه بأنهم طلبوا ذلك لزيادة التثبت ولإشعار الناس بعظم الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يتجرأ عليها كل أحد. وفي هذا يقول عمر رضي الله عنه لأبي موسى: «أما أني لم أتهمك ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد» (أخرجه أبو داود)، وأبو بكر رضي الله عنه قد يكون طلب من يشهد
للمغيرة لأن الله لم يذكر للجدة شيئا حين ذكر أصحاب الفروض فلا بد من زيادة التثبت لتوريثها.
ومما يدل على أنهم لم يردوا خبر الواحد أنهم قبلوا أخبار الآحاد من غير أن تكون من رواية اثنين فأكثر، فقبل أبو بكر خبر:«إنّا معاشر الأنبياء لا نورث» (أخرجه النسائي بهذا اللفظ ومعناه في الصحيحين)، وقبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في المجوس:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (رواه مالك والشافعي والبيهقي، وهو معلول، ولكن قال البيهقي: إجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده) وقبل خبر توريث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، وخبره في الحكم إذا نزل الطاعون بأرض، وخبر دية الجنين (أخرجه مسلم)، ونحو ذلك.
ثم إن خبر الاثنين كخبر الواحد لا يرتقي إلى درجة التواتر باتفاق المقسمين للخبر.
وأما الذين منعوا الاستدلال بخبر الآحاد مطلقا فيجاب عن أدلتهم كما يلي:
1 -
الآية دلت على النهي عن اقتفاء ما لا نعلم وجوب اتباعه؛ وخبر الآحاد قد أجمع الصحابة والتابعون على وجوب اتباعه، فالعلم بوجوب العمل به حاصل.
أو يقال إن العلم المذكور في الآية ليس المراد به العلم اليقيني الذي لا يحتمل النقيض، بل هو ما يغلب على الظن، وهذا المعنى هو الذي يقصد بالعلم في القرآن كما قال تعالى: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، فإن العلم في هذه الآية لا يمكن أن يحمل على ما لا يحتمل النقيض.
2 -
وأما ما ذكروه عن بعض الصحابة من رد لأخبار الآحاد، فالثابت منه لم يكن الرد فيه لكونه خبر آحاد، بل لكونه معارضا لأدلة قطعية أقوى منه،