الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس
التقليد
تعريفه:
التقليدُ في اللُّغة: وضعُ القِلادة في العُنق.
وفي الاصطلاح: اختلف العلماءُ في تعريفه، وانبنى على ذلك الخلافِ اختلافُهم في حكمه.
فقد عرَّفه بعضُهم بأنه: قَبُول قولِ الغير من غير حجةٍ.
وهذا التعريفُ ذكره جماعةٌ من الأصوليين، منهم: الغزاليُّ، وابنُ قدامة، والآمديُّ، وابنُ الحاجب، وابنُ الهمام، والشوكانيُّ، وغيرهم.
ويَردُ على هذا التعريف إشكالٌ، وهو: أن قولَهم: «من غير حجة» هل يُقصدُ به أن القَبُولَ لا حجةَ عليه؟ أو أن القولَ نفسَه ليس عليه حجةٌ؟
فإنْ أُريد أن القَبولَ لا حجةَ عليه لزم خروجُ اتِّباع العاميّ للعالم؛ لأن ذلك قد قامت حجّتُه، وهي قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل43]، والإجماعُ على صحّة سؤال العاميّ للعالم.
وإنْ أرادوا أن الذي ليس عليه حجةٌ هو القولُ نفسُه، فهذا مشكِلٌ من جهة أن القولَ الذي يَعرف المقلدُ أنه لا حجةَ عليه لا يجوزُ اتباعُ العالمِ فيه عند أكثر العلماء، بل حكي الاتفاق عليه.
والفريقُ الثاني عرَّفوا التقليدَ بأنه: قَبولُ قولِ القائل وأنتَ لا تَعرفُ من
أين قاله (1).
أو: أخذُ مذهب الغير بلا معرفةِ دليله (2).
وقد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، منهم: القفالُ الشاشيُّ، والمرداويُّ، وابنُ النجار.
ومن الذين عبروا باللفظ الأول مَن قصد هذا المعنى، ولكنه ظن أن عبارته تفيده كابن قدامة رحمه الله، فإنه في أثناء كلامه أوضح أن مرادَه المعنى الذي ذكره الفريقُ الثاني.
ولو وازنا بين التعريفين لاخترنا تعريفَ الفريقِ الثاني، ولكن يرد عليه اعتراضٌ لا بدَّ من الاحتراز عنه. وهو: هل يخرج الإنسانُ من مرتبة التقليد إذا عَرف دليلَ المسألة، وإنْ لم يكنْ قادراً على دفع الشُّبَه عن الدليل والجواب عن أدلة القول الآخر؟
فالظاهر من حال أكثر الأصوليين والفقهاء أنهم لا يُخرجونه عن مرتبة التقليد بمجرَّد معرفة الدليل. ولهذا يجب أن يزيدوا قيداً فيقولوا: «أخذ مذهب الغير من غير معرفة رجحان دليله» ، حتى يصدُقَ اسمُ المقلِِّد على مَن لا يعرفُ رجحانَ الدليل، وإن عرف الدليل.
وهذه الزيادة لا بدَّ منها لمن لا يرى واسطةً بين الاجتهاد والتقليد.
وأما مَن جعل مرتبةَ الاتّباع واسطةً بين الاجتهاد والتقليد فلا تلزمهُ هذه الزيادةُ؛ لأنه ربما جعل مَن يعرف الدليلَ متّبعاً وليس مقلِّداً، كما قال ذلك ابنُ حزم، وغيره.
(1) البحر المحيط 6/ 270.
(2)
التحبير 8/ 4011.