الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسام الواجب
1 -
تقسيم الواجب بالنظر إلى ذاته:
ينقسم الواجب بالنظر إلى ذاته قسمين: معين، ومخير.
فالمعيَّن هو: ما طلبه الشرع بعينه من غير تخيير بينه وبين غيره. مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة ونحو ذلك.
والمخير هو: الواجب الذي خُيِّر فيه المكلف بين أشياء محصورة. مثل كفارة اليمين فإنها واجبة، ولكن المكلف مخير بين ثلاثة أشياء: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين.
وهذا النوع أنكره المعتزلة؛ لوجود التضاد بين الإيجاب والتخيير، وقالوا كيف يسمى واجباً ثم يوصف بالتخيير.
والخلاف بينهم وبين الجمهور خلاف لفظي لا فائدة فيه؛ لأن المنكرين لوجود الواجب المخير يقولون: هذه الخصال واجبة على البدل، ولا يقولون يجب على المكلف أن يفعل الثلاثة ولا أنه يأثم على ترك الثلاثة كل على حدة، والمثبتون يقولون الواجب واحد غير معين. وقد جعل بعضهم من أثر الخلاف أن المكلف لو فعل اثنتين من خصال الكفارة دفعة واحدة فهل يثاب ثواب الفرض عليهما؟ وجعل مقتضى مذهب المعتزلة أنه يثاب عليهما ثواب فرض، ومقتضى مذهب الجمهور أنه يثاب على إحداهما ثواب الفرض وعلى الأخرى ثواب النافلة، ولا يخفى أن تقدير الثواب غيب عنا، وتحكمه عوامل أخرى من الإخلاص وطيب النفس بما يبذل الإنسان وغير ذلك.
2 -
تقسيم الواجب بالنظر إلى وقته:
ينقسم الواجب بهذا الاعتبار إلى مؤقت وغير مؤقت:
فالمؤقت: هو ما حدد له الشرع وقتا معينا، له بداية ونهاية. مثل الصلاة.
وغير المؤقت: هو المطلق عن التوقيت الذي لم يحدد له الشرع وقتا معينا. مثل أداء النذور والكفارات.
والمؤقت ينقسم قسمين: مضيق، وموسع.
فالواجب المضيق: هو الذي حدد له الشرع وقتا لا يتسع لغيره من جنسه معه. مثل الصيام، فإن الصيام له وقت محدد يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا الوقت لا يتسع إلا لصيام واحد، فلا يمكن أن يصوم يوما واحدا عن القضاء وعن النذر مثلا، ولكن هذا الوقت يتسع لغير الصيام من الواجبات والمندوبات التي ليست صياما، ولهذا المعنى قلنا: لا يتسع لغيره من جنسه معه.
والموسع: عكس المضيق، فهو: الذي حدد له الشرع وقتا يتسع له ولغيره من جنسه معه. ومثاله: الصلاة، فإن الوقت المحدد لصلاة العشاء مثلا يبدأ من غروب الشفق الأحمر ويمتد إلى نصف الليل لمن لا عذر له. فهذا الوقت يتسع لصلاة الفرض ولصلاة أخرى غير فرض العشاء.
وهذا النوع أنكر بعض الحنفية وجوده، فقالوا: ليس في الشرع واجب موسع؛ لأن التوسع ينافي التوقيت، ولأن ما يسميه الجمهور واجبا موسعا يجوز تركه في أول الوقت ولا يجوز تركه إلى خروج الوقت باتفاق. والحجة عليهم قائمة بوجوده في الشرع، كالصلاة التي لها وقت حدده الشرع وهو أوسع مما يحتاج إليه المكلف لأدائها، وقد ورد في الحديث الصحيح أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس مرة في أول الوقت، ومرة في آخره ثم قال:«الوقت ما بين هذين» (أخرجه الترمذي وأحمد والنسائي بألفاظ متقاربة).
وقد انقسم الحنفية عند الجواب عن هذا الدليل إلى فرق:
أ ـ
…
فرقة قالت: الصلاة في أول الوقت نفل سد مسد الفرض، ولا تكون
فرضا إلا حين يضيق الوقت فلا يبقى منه إلا ما يكفي لأدائها.
ب ـ وفرقة قالت: من صلى الصلاة في أول الوقت تكون في حقه فرضا إن جاء آخر الوقت وهو مكلف بالصلاة أي: بالغ عاقل. وإن جاء آخر الوقت وهو ليس بأهل للصلاة عددنا صلاته قبل ذلك نافلة.
ج ـ وفرقة قالت: الوقت يتضيق عليه بالشروع فيها، فإذا شرع فيها فذلك وقتها.
وقولهم: إنه يجوز تركه في أول الوقت دون آخره، يجاب عنه بأنه في أول الوقت يجوز تركه بشرط العزم على الفعل في الوقت الآتي، وهذا يختلف عن حد المندوب؛ فإن المندوب يجوز تركه بلا شرط.
والخلاف بين الفريقين راجع إلى أن سبب وجوب الصلاة أهو آخر الوقت أم كل جزء من أجزاء الوقت يصلح سببا؟ فمن جعله آخر الوقت أنكر التوسع في الوجوب، ومن جعل كل جزء من أجزاء الوقت يصلح سببا أثبته.
وقد بنوا على الخلاف مسائل فرعية، أهمها:
1 -
أن من سافر بعد دخول الوقت يقتضي مذهب الجمهور أنه لا يجوز له القصر، ويقتضي مذهب الحنفية أنه يجوز له ذلك. ولكن جمهور العلماء على جواز القصر، وعذرهم عن عدم تطبيق قاعدتهم: أن القصر صفة في الصلاة فيراعى بها حالة أدائها، فالمقيم الذي دخل عليه الوقت وجب عليه أداء الصلاة من غير تحديد لعدد ركعاتها، فإن صلاها في الحضر صلاها أربعا، وإن صلاها في السفر صلاها اثنتين. قال النووي: «ففي وجه قاله المزني وابن سريج لا يجوز القصر، وعلى الصحيح المنصوص وقول جمهور أصحابنا يجوز القصر، فعلى هذا إنما جاز القصر لأنه صفة للصلاة، والاعتبار في صفتها بحال فعلها لا بحال وجوبها، ولهذا لو فاته صلاة في
حال قدرته على القيام أو الماء ثم عجز عنهما صلاها قاعدا بالتيمم وأجزأته» (1).
2 -
إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة بزمن كان يمكنها أن تؤدي الصلاة فيه، فعلى القول بأن كل جزء من الوقت سبب للوجوب فيجب عليها القضاء إذا طهرت، وعلى القول بأن سبب الوجوب آخر الوقت فلا قضاء عليها.
والمنصوص عليه عند الحنفية أنها لا قضاء عليها، وعلله بعضهم بأنها لم تدرك الوقت الذي تعلق به الوجوب، وعلله آخرون بأنها إذا لم تصل في أول الوقت انتقلت السببية إلى الوقت الذي يليه، وهكذا إلى أن يتضيق الوقت.
والجمهور اختلفوا في ذلك: فمنهم من أوجب القضاء؛ لأن كل جزء من الوقت يصلح سببا، فإذا حاضت بعد دخوله استقر الواجب في ذمتها، ومنهم من قال لا قضاء عليها لأنها فعلت ما يجوز لها فعله وهو ترك الصلاة في أول الوقت، مع العزم على فعلها في آخره ثم حيل بينها وبين أدائها بسبب ليس من جهتها، والقول الأول أقرب؛ لقاعدتهم في الواجب الموسع.
3 -
إذا أخر الواجب الموسع فمات في أثنائه قبل ضيق الوقت، فعلى القول بإنكار التوسع لا إثم عليه، وعلى القول بإثبات التوسع اختلفوا:
فمنهم من قال: إن أخرها ذاكرا، ولم يعزم على الفعل في الوقت يكون آثما، وإن أخرها ناسيا أو عازما على الفعل في الوقت فلا إثم عليه، وهذا
(1) 3/ 51.
هو المناسب للقول بالتوسع، وبأن أول الوقت سبب لوجوب الصلاة.
وقيل: لا إثم عليه وإن لم يعزم على الفعل في آخر الوقت، وهو مرجوح؛ لأنه إذا كان ذاكرا فإما أن يفعل أو يعزم على الفعل أو يعزم على الترك، فإذا لم يفعل فليس أمامه سوى خيارين، وأحدهما محرم، فيكون الثاني واجبا لأنه لا يتم ترك الحرام إلا به فيكون واجبا، وهو العزم على الفعل في تالي الوقت (1).
الفرق بين الواجب الموسع والواجب المضيق:
1 -
الواجب الموسع لا يصح أداؤه إلا بنية اتفاقا، وأما الواجب المضيق كالصوم في رمضان، فعند أكثر الحنفية أنه لا يحتاج إلى نية الفرض، بل ينصرف الصوم إليه من غير نية تخصيصه، وعند الجمهور لا بد من النية (2).
2 -
أن الواجب الموسع لا يمتنع صحة غيره من الواجبات في زمنه، فله أن يصلي في وقت الظهر ظهرا فائتة أو صلاة أخرى، وأما الواجب المضيق فليس له أن يؤدي في وقته غيره إلا إذا كان ممن يجوز له ترك هذا الواجب كالمسافر في رمضان، فقد اختلفوا هل يجوز أن ينوي بصيامه في رمضان واجبا آخر كالكفارة والنذر مثلا؟ فقال بعضهم: لا يجوز؛ لأن وقت رمضان مضيق فلا يتسع لغيره، وقال بعضهم: إذا كان معذورا لا يكون مطالبا بصيام رمضان، ولا دليل على منعه من صيام نذر أو كفارة (3).
(1) المستصفى 1/ 70.
(2)
أصول السرخسي 1/ 35.
(3)
أصول السرخسي 1/ 36.