الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
أنه حجة (1).
والذين رأوا حجيته من المالكية ونسبوه لإمامهم، أخذوه مما عرف عن الإمام مالك أنه كان يروي الخبر ثم يترك العمل به ويقول:«وليس على هذا العمل عندنا» يعني في المدينة كما فعل في خيار المجلس.
ويشكل على هذا النقل أن الإمام مالكا رحمه الله ذكر في الموطأ في باب العيب في الرقيق إجماع أهل المدينة على أن البيع بشرط البراءة لا يجوز ولا يبرأ من العيب لو اشترطه، ثم خالفهم، ولعل هذا هو ما جعل بعض علماء المالكية ينكرون احتجاج مالك بإجماع أهل المدينة إلا فيما سبيله النقل.
وأظهر ما يستدل به للقول بحجية إجماع أهل المدينة: أن المدينة قد ضمت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبناءهم وأبناء أبنائهم، وأن ما اتفقوا عليه لا بد أن يكون ظاهرا معلوما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون حجة. وكذلك ما تركوه مع قيام الداعي إليه لا يتركونه إلا بحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الاستدلال بالأحاديث الواردة في فضل المدينة وفضل الأنصار ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها فلا دلالة فيها على حجية إجماعهم أو عملهم.
واستدل الجمهور على عدم الحجية بأن أدلة الإجماع ما خصت أهل المدينة بل عمت الأمة.
انعقاد الإجماع بعد الخلاف:
إذا اختلف أهل العصر الواحد في مسألة على قولين فأكثر، ثم رجع بعضهم عن قوله واتفقوا، هل يعد هذا إجماعا؟:
(1) البحر المحيط 4/ 485 - 486.
الصحيح عند الأكثر أنه إجماع، وقال ابن الباقلاني والقاضي عبد الوهاب المالكي لا يكون إجماعا؛ لأن اختلافهم أولا إجماع على تسويغ الخلاف، فلا ينقضه رجوع بعضهم عن رأيه.
وقال الجويني: إن قرب العهد كان اتفاقهم بعد الاختلاف إجماعا، وأما إن تمادى الزمان واستقر الخلاف فليس اتفاقهم بعد ذلك إجماعا.
والصحيح: أنه يعد إجماعا؛ لأنه قول كل المجتهدين في هذا العصر، والقول الذي رجع عنه صاحبه لا عبرة به.
وأما إذا اختلف أهل العصر السابق على قولين ثم اتفق الذين بعدهم على قول من القولين كما لو اختلف الصحابة على قولين ثم اتفق التابعون على أحدهما، فاختلف العلماء في ذلك هل يعد إجماعا؟:
فذهب بعضهم إلى أنه إجماع؛ لأنه قول كل أهل العصر الثاني.
وذهب بعضهم إلى أنه ليس إجماعا؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها فيبقى جواز تقليدهم فيها بعد موتهم.
والصحيح: أن هذا لا يعد إجماعا؛ لأن متبع القول الذي مات قائله لا يصدق عليه أنه اتبع غير سبيل المؤمنين، والمعتمد في الاستدلال هو الآية المذكورة سابقا، ولأن الأمة لم تجتمع على حكم واحد في تلك المسألة بل اختلفوا فلا يصدق على هذه الصورة حديث:«لا تجتمع أمتي على ضلالة» .
وأما حديث: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» فالمقصود بالحديث ليس مسائل الفروع الاجتهادية، وإنما المقصود بقاء طائفة من الأمة على الدين الحق. ولو سلم أنه يعم كل مسائل الخلاف فإن المتبع لصاحب القول السابق المخالف لما أجمع عليه علماء العصر قد يكون هو الذي على الحق