الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
عموم الأدلة الدالة على أنه للوجوب.
واعترض القائلون بالوجوب على القائلين بالإباحة وقالوا: لا يوجد عرف شرعي مستقر، بدليل أن بعض الآيات جاء فيها الأمر بعد الحظر، وحملت على الوجوب باتفاق. ومن ذلك قوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة5].
القول الثالث: إذا ورد الأمر بصيغة: (افعل) ونحوها، فهو للإباحة، وإن ورد مصرحاً فيه بلفظ الأمر كقوله: أنتم مأمورون، أو إني آمركم، فيحمل على الوجوب. وهذا التفصيل اختيار ابن حزم الظاهري، والمجد ابن تيمية.
دليله: أن العرف الشرعي جرى في الأمر بصيغة (افعل) ونحوها، وأما لفظ الأمر المصرح فيه بمادة (أمر) فلا عرف فيه فيبقى على الوجوب.
وهذا الرأي مبني على أن صيغة (افعل) أو (لتفعل) ونحوهما، من الظاهر، وصيغة: أنتم مأمورون ونحوها، من النص الصريح.
الترجيح:
الراجح هو القول الأول، وهو حمل الأمر بعد الحظر على الإباحة إلا أن يقوم دليل على خلاف ذلك.
وما ذكره أصحاب هذا الرأي من الاستدلال بالعرف الشرعي والعرف اللغوي كاف في الدلالة على المطلوب.
وأما اعتراض أصحاب القول بالوجوب بآية: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة5]، فيجاب عنه بأن هذه الآية لا تدل على وجوب قتل المشركين، وإنما يستفاد الوجوب من غيرها. ولو لم يرد في قتال المشركين
إلا هذه لما كانت دالة على الوجوب.
وأما قياس الأمر على النهي فهو ضعيف؛ للفرق بينهما من جهة أن النهي يقتضي الاستمرار في ترك المنهى عنه، والأمر لا يقتضى التكرار كما تقدم. وأيضاً فإن هذا قياس في اللغة وهو ممنوع عند الأكثر.
ثم إن عرف الاستعمال الشرعي واللغوي صرفه عن مقتضاه في أصل الوضع.
وبمثل هذا يجاب عن تمسكهم بعموم الأدلة الدالة على أن الأمر المطلق للوجوب.
وأما قول ابن حزم والمجد ابن تيمية فمردود بعدم الفرق بين الإخبار عن أمر الله أو رسوله، والأمر من الله أو رسوله بصيغه المعروفة. فإذا سلم جريان العرف في الثاني فالأول مثله.
وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الأمر بعد الحظر يعيد الفعل إلى ما كان عليه قبل ورود الحظر، فقد نسب للمزني، واختاره بعض المتأخرين، وقد يفسر به قول بعض المتقدمين كالقفال الشاشي، وهو قريب من حيث التطبيق من القول الأول، وفيه جمع بين الآيات التي جاء فيها الأمر بعد الحظر وحملت على الإباحة، مثل:{فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة10]، والآيات التي جاء فيها الأمر بعد الحظر وحملت على الوجوب، نحو:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة5].