الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحسان
تمهيد:
ظهرت كلمة الاستحسان بكثرة على لسان الإمام أبي حنيفة، وهو في الغالب يذكرها في مقابلة القياس فيقول: القياس كذا ولكن الاستحسان كذا، وقال محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة يناظر أصحابه في المقاييس فينتصفون منه ويعارضونه حتى إذا قال: أستحسن لم يلحقه أحد منهم لكثرة ما يورد في الاستحسان من مسائل.
ونقل عن الإمام مالك وتلاميذه الأخذ بالاستحسان حتى قال مالك: الاستحسان تسعة أعشار العلم (1).
ومع ذلك فلم نجد عند أولئك الأئمة تعريفا للاستحسان، ولذلك أنكره الإمام الشافعي أشد الإنكار، وقال: من استحسن فقد شرع، وألف كتاب إبطال الاستحسان، وبين فيه انحصار الأدلة في الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وأن من قال بالاستحسان فقد جعل عقله مشرعا، وكذلك فعل داود الظاهري فأنكر الاستحسان كما أنكر القياس.
وأما الإمام أحمد فهو يعتمد على السنة والأثر، ولا يلجأ إلى القياس إلا عند انعدام الدليل من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة، ولكن الأصوليين من أتباع الإمام أحمد ذكروا أنه يحتج بالاستحسان، نص على ذلك ابن قدامة وصفي الدين البغدادي وغيرهما.
(1) الموافقات 4/ 209.
ولما ألف الإمام الشافعي إبطال الاستحسان والرسالة وغيرهما من كتبه اضطر علماء الحنفية للدفاع عن إمامهم فلم يبحثوا عن أدلة تؤيد الاستحسان الذي أنكره الشافعي، وإنما لجأوا إلى تفسير الاستحسان الذي عمل به إمامهم بما لا يجعله مجرد ميل نفسي لا يمكن إقامة دليل عليه، أو «دليل ينقدح في ذهن المجتهد يعسر التعبير عنه» (1)، كما فسره بذلك بعضهم.
ولهذا عرف الحنفية الاستحسان بأنه: كل دليل في مقابلة القياس الظاهر (2). أو أنه: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس (3).
وجعله السرخسي في أصوله نوعين رئيسين هما:
1 -
العمل بالاجتهاد وغالب الرأي في تقدير ما لم يقدره الشارع، كالنفقة والمتعة.
2 -
الدليل الذي يكون معارضا للقياس الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل إنعام التأمل فيه، وبعد إنعام التأمل في حكم الحادثة وأشباهها من الأصول يظهر أن الدليل الذي عارضه فوقه في القوة (4).
ومما ذكروه في تعريف الاستحسان وأنواعه وأمثلته يتبين أنه ليس بدليل مستقل، وإنما هو راجع إلى أحد الأدلة الأخرى، أو أنه ترجيح لدليل على دليل آخر.
(1) المستصفى 1/ 281.
(2)
التحرير مع شرحه التيسير 4/ 78، وفواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 320، مطبوع بذيل المستصفى.
(3)
المبسوط 10/ 145.
(4)
أصول السرخسي 2/ 200.