الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة2].
وهذا كلُّه إذا لم يكنْ خالف نصاً لا معارضَ له، فإنْ خالف نصّاً صحيحاً من كتابٍ أو سنةٍ لا معارضَ له، أو خالف إجماعاً صريحاً صحيحاً فيجبُ عليه إخبارُ مَن أفتاه بالفتوى الخطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مَن أُفتي فتوىً من غير ثبتٍ فإنما إثمُه على مَن أفتاه» (أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة) فإذا كان الإثم سيلحق المفتي وجب إبلاغ المستفتي بالخطأ حتى لا يزيد الإثم.
ولفعل ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، حيث أفتى رجلاً بجواز نكاح أم الزوجة إذا لم يدخلْ بها، فأخبره الصحابة بتحريم ذلك، فرجع إلى الحيّ الذي فيه المستفتي وسأل عنه وأخبره بخطإ الفتوى.
ولأن الفتوى المخالفةَ لنصٍّ لا معارضَ له خطأٌ يقيناً، ولا عبرةَ بالظن البيِّن خطؤُه، أما في الاجتهاد فإنه لا يجزمُ بخطئه، وإنما يغلبُ على ظنه ذلك، لذا لم يجبْ عليه الإبلاغُ عند الأكثر.
4ـ
لا يُنكَرُ تغيُّرُ الفتوى بتغيُّر الأزمان:
نصَّ العزُّ ابنُ عبد السلام، والقَرافيّ، وابن القيم، وغيرُهم على أن الحكمَ أو الفتوى قد يتغيّران في المسألة الواحدة لأجل تغيُّر الأعراف والعادات والأزمان، ونحو ذلك مما له أثرٌ في الحكم.
وقد توسّع في القاعدة بعض المتأخِّرين، ولم يقصروها على الأحكام التي ترجعُ إلى العرف والعادة.
وأنكرها بعضُ العلماء لمَّا فَهم منها العمومَ لجميع الأحكام، أو لما في ظاهرها من الاحتمال الباطل الذي يُوهمُ بأن الحكمَ في المسألة الواحدة بعينها
قد يتغيّرُ عند الله جل وعلا بلا نسخٍ.
وحملوا ما يذكرُه العلماءُ من الأمثلة على تغيُّر الأحكام لتغيُّر الأزمان أو الأحوال على أن الحكمَ الشرعيَّ لم يتغيّرْ، وإنما تخلّف تعلُّقُه بالصورة المشابهة في الظاهر للصورة السابقة لعدم تحقُّق المناط، حيث كان موجوداً في الصورة السابقة وغيرَ موجودٍ في الصورة اللاحقة.
وهذا نظيرُ حكم النفقة للزوجة، فقد كان يُقدَّرُ بشيءٍ يسيرٍ من الطعام واللباس؛ لتعارُف الناس عليه، وفي هذا الوقت لم يعُدْ كافياً، وكذلك السُّكنى، فإن الشرعَ لم يُحدّدْ نوعَ البيت الذي يجبُ أنْ يُوفِّرَه الزوجُ للزوجة، وإنما تُرك ذلك للعُرف، ولقدرة الزوج ويُسره أو عُسره. فهذا الحكمُ لم يتغيّرْ، ولكنه جاء في صورة قاعدةٍ عامّةٍ، يُترَكُ تطبيقُها للقُضاة عند التخاصُم، والمعتمدُ في تحديدها عرفُ أهل البلد وعاداتُهم.
ولهذا فقد يكونُ البيتُ الشرعيُّ في عصرٍ أو بلدٍ غرفةً واحدةً.
وفي بلدٍ آخَرَ مكوناً مما لا يقلُّ عن أربع غرفٍ مع مرافقها.
وكذلك إنكار المنكر يكون واجبا حين يغلب على الظن زواله بالإنكار، ويحرم حين يغلب على الظن أن إنكاره يؤدي إلى منكر أعظم منه (1).
ومع ذلك لا يُقالُ الحكمُ تغير، إلا بشيءٍ من التسامح في العبارة.
ولذا فإن القاعدةَ بحاجةٍ إلى ضبطٍ حتى لا يُفهمَ منها نسخُ الأحكام المنصوصةِ التي لا مدخلَ للعرف والعادة في تحديدها، مع وجود أسبابها.
ونص القاعدة - كما ذكرها ابن القيم - ليس فيه إلا عدمُ الإنكار على مَن
(1) إعلام الموقعين 3/ 4.
تغيرت فتواه لتغير الأزمان والأحوال.
وكذلك الحكمُ القضائي كالفتوى؛ ولهذا اتفق العلماءُ على أن القاضيَ يجب أنْ يعرفَ عاداتِ الناس وأعرافَهم حتى يقضيَ بينهم، ولا يجوز أنْ يقضيَ مَن لا علمَ له بذلك.