الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استدلوا بما يلي:
1 -
أن هذه الصيغ استعملت في العموم وفي الخصوص، واستعمالها في الخصوص أكثر، فتكون للخصوص ما لم تقم قرينة تدل على التعميم.
2 -
أن دلالة تلك الصيغ على أخص الخصوص متعينة، ودلالتها على ما زاد عن ذلك مشكوك فيها، فإذا عريت عن القرينة حملت على اليقين ووجب التوقف فيما زاد عن ذلك.
والجواب عن الأول: أن نمنع قولهم: إن استعمالها في الخصوص أكثر.
وما شاع على لسان المتفقهة ونسبوه لابن عباس من قوله «ما من عام إلا وقد خص» لا يصح رواية ولا دراية، وقد أنكره ابن تيمية أشد الإنكار، وأوضح أن عمومات القرآن أكثرها محفوظة باقية على أصلها (1).
وأما قولهم: إن أخص الخصوص متعين، فهو صحيح، ولكن قولهم إن الزائد مشكوك فيه باطل. بل نقول دلالتها على أخص الخصوص قطعية، وعلى ما زاد ظنية، والظن كاف في إثبات الحكم الشرعي.
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور على وضع تلك الصيغ للعموم بأدلة نكتفي منها بما يلي:
1 ـ قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود45 - 46].
وجه الدلالة: أن الله حكى عن نوح عليه السلام تمسكه بالعموم في
(1) ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 442، 444
قوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت33] فاستدل نوح بعموم لفظ (أهلك) وأقره الله عز وجل على ذلك، وأجابه بما يدل على أن ابنه ليس من أهله. لأن المراد بالأهل في الآية الذين آمنوا به واتبعوه.
2 ـ قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت31 - 32].
وجه الاستدلال: أن الله حكى عن إبراهيم عليه السلام تمسكه بالعموم المستفاد من لفظ (أهل) المضاف إلى المعرفة، ولم ينكر عليه ذلك، بل بين أن لوطاً مخصوص من العموم.
3 -
قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام91].
وجه الاستدلال: أن الله لقن رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب عن زعم اليهود ومن وافقهم أن الله ما أنزل على بشر من شيء، وكان الجواب بنقض دعواهم العامة، حيث قال:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} فلولا أن دعواهم عامة في النفي ما كان ذلك نقضاً لها، ولا جواباً مفحماً لهم. فثبت أن لفظ (بشر) تكون في سياق النفي عامة، فيعم كل بشر، ولفظ شيء نكرة في سياق النفي أيضاً فيعم كل شيء.
ولهذا نقض الله دعواهم بأن الله أنزل على موسى التوراة وموسى من البشر والتوراة شيء أي كتاب منزل.
4 ـ قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، لأبي بن كعب: «ما منعك أن تجيبني إذ
دعوتك؟ أليس الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ [الأنفال24]» فقال: أُبَي: يا رسول الله، لا تدْعُني إلا أجيبك وإن كنت مصليا. (رواه أحمد والترمذي) وروى البخاري نحوه عن أبي سعيد بن المعلى، وأن القصة وقعت معه أيضاً.
ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من الآية العموم وأرشد أبياً إلى ذلك الفهم والعمل به.
5 -
قوله صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية: «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة7 - 8]» . متفق عليه.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم العموم من لفظ (من) وهو القدوة وإليه المرجع في فهم كلام الله جلا وعلا.
6 ـ الإجماع من الصحابة والتابعين على وجوب حمل تلك الألفاظ على عمومها ما لم يصرفها عنه صارف. ومما يدل على ذلك وقائع كثيرة منها:
ـ
…
لما اختلفوا فيمن يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل أبو بكر بحديث «الأئمة من قريش» على أن الإمامة لا تخرج عنهم فرضي الجميع بذلك.
ـ
…
ولما اختلفوا في قتال مانعي الزكاة: استدل عمر بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» . فرد أبو بكر استدلاله بأن الزكاة داخلة في الاستثناء الوارد في الحديث فإنها حق المال.
ـ
…
وقول عثمان وعلي رضي الله عنهما في وطء الأختين بملك اليمين فقالا
أحلتهما آية وحرمتهما آية، فالآية التي دلت على الحل قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون6]، والآية الدالة على التحريم قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء23].