الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكل مظنون وليس مستوي الطرفين.
ثم إن ذلك يرد على الشرط، وهم لا يقولون فيه كذلك.
وقولهم: رد الاستثناء إلى ما قبله ضرورة، ممنوع، لأنه تعلق بما قبله لصلاحيته لذلك.
وقولهم: يلزم الفصل بين الاستثناء والمستثنى منه، يجاب بأن الفصل ليس بكلام أجنبي، وبأن المعطوف حكمه حكم المعطوف عليه.
انبنى على الخلاف في المسألة خلاف في فروع فقهية، منها:
1 ـ القاذف المجلود إذا تاب هل تقبل شهادته؟:
ذهب الحنفية إلى رد شهادته، والجمهور إلى قبولها، وبني ذلك على الخلاف في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور4 - 5]، هل يعود الاستثناء إلى وصفهم بالفسق ورد شهادتهم؟
قال الجمهور: نعم؛ لأن الاستثناء المتعقب للجمل يعود للجميع، ولم يقولوا: إنه يعود أيضا إلى الأمر بالجلد؛ لأن الجلد حق لآدمي فلا يسقط بالتوبة.
والحنفية قالوا: يرجع إلى الجملة الأخيرة وهي قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، فأما الجلد ورد الشهادة فلا استثناء منهما.
2 ـ قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة33 - 34]، فالاستثناء في قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هل يرجع إلى كل
الجمل السابقة؟
على القول بعوده إلى الكل فإن من تاب من المحاربين قبل التمكن منه فلا حد عليه ولا إثم يوم القيامة ولا يؤاخذ بشيء.
وعلى القول بعوده إلى الجملة الأخيرة تكون التوبة مانعة من عذاب الآخرة، وأما الحد في الدنيا فيقام عليه.
وهذا القول ليس له قائل من العلماء المشهورين، وإنما اتفقوا على أنهم إذا تابوا قبل أن يؤخذوا سقط عنهم الحد، وبقي حق العباد في المال والقصاص، وهو مذهب أحمد، وقال المقدسي في العدة: لا نعلم فيه خلافا. وقال ابن كثير: لا خلاف في سقوط القتل وقطع الرجل وأما قطع اليد ففيه خلاف.
ولعل من رآى أن من أخذ المال من المحاربين تقطع يده قاسه على السارق قياس الأولى.
واختلفوا فيما أتلفه المحاربون من المال هل يؤاخذون عليه فيلزمهم ضمانه؟
وبهذا يتبين أن الحنفية لم يطردوا قاعدتهم في عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة، ولعلهم يقولون هذا مما قامت الدلائل علىعوده إلى الكل.
3 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤُمَّنَّ الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» (أخرجه مسلم).
قال الإمام أحمد: الاستثناء يعود إلى الكل، فإذا أذن رب البيت في الجلوس في المكان المخصص له فلا بأس، وإذا أذن السلطان لغيره في الإمامة مع حضوره وقدرته جاز.
وهذا مذهب الجمهور.
وخالف بعضهم في عود الاستثناء إلى الجملة الأولى ومنع أن يؤم أحد
بحضرة السلطان أو الإمام إذا كان قادرا على الإمامة.
4 ـ إذا قال الرجل في وصيته: وقفت على بني زيد داري، وحبست على أقاربي ضيعتي إلا من فسق. فهل يعود الاستثناء إلى الكل؟
إن قلنا نعم، فالفاسق من بني زيد لا يستحق شيئا، والفاسق من أقاربه كذلك، وإن قلنا يعود إلى الجملة الأخيرة فالفاسق من بني زيد يعطى ومن أقاربه لا شيء له.
ولهذا أمثلة كثيرة لا تنحصر في كلام الواقفين والموصين والحالفين وغيرهم.