الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعلق الأمر بالمعدوم
هذه المسألة من المسائل الكلامية التي لا أثر لها في الفقه. ولكني رأيت كثيراً من الدارسين لا يعرف حقيقتها، ولا الباعث عليها، فأردت إيضاحها، فأقول:
هذه المسألة من المسائل التي أثارها المعتزلة ضد خصومهم من الأشعرية القائلين إن كلام الله قديم أزلي، فأوردوا عليهم سؤالاً مضمونه: لو كان كلام الله أزلياً لتعلق الأمر بالمأمورين قبل وجودهم، لأن كلام الله في الأزل عندهم أمر ونهي، ولا يمكن أن يكون أمر بلا مأمور.
فلما أورد المعتزلة عليهم هذا السؤال اضطروا إلى الالتزام بما يترتب على قولهم من لوازم فاسدة فقالوا: يتوجه الأمر للمعدوم. فلما شنّع عليهم العقلاء هذا القول قالوا: إن الأمر هنا ليس ناجزاً بل معلقاً على شرط الوجود.
وإمام الحرمين قد انتهى به الأمر إلى تأجيل النظر في حل هذا المعضل فقال:
(1) البرهان 1/ 274.
وهذا السؤال الذي حير إمام الحرمين، وتخبط في الجواب عنه شيخه الباقلاني، لا يرِد على من اتبع مذهب السلف في كلام الله، الذي خلاصته أن كلام الله متجدد، وأنه تعالى يتكلم بما يشاء متى شاء، وأن كلام الله قبل تعلقه بالمخلوقين لا يسمى أمراً ولا نهياً بالمعنى المعروف للأمر والنهي، فلا يسمى المعدوم مأموراً ولا منهياً قبل وجوده، ولا يوجد أمر بلا مأمور بل لا يسمى كلام الله أمراً إلا إذا توجه إلى المأمورين، ولا يلزم من ذلك عدم دخول المعدومين حين نزول القرآن في الخطاب إذا وُجدوا؛ لأن كلام الله حكم عام مستمر، وكل من وجد وتوافرت فيه شروط التكليف دخل تحته من غير حاجة إلى قياس. وعند قوم يدخل من يوجد بعد عصر نزول الوحي بطريق القياس الجلي، لأنه قياس بنفي الفارق.
والخلاف بين الفريقين عديم الفائدة في الفروع الفقهية، والإجماع قائم على دخولنا في هذا العصر تحت الأوامر والنواهي العامة، وبهذا يتبين أن المسألة كلامية، وإنما ذكرتها لإيضاح ما فيها من غموض.
(1) البرهان 1/ 275.