الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العموم الوارد على سبب
أطال بعض الأصوليين في تحرير محل النزاع في المسألة بتقسيم العموم الوارد جوابا، إلى مستقل وغير مستقل، ومثّل غير المستقل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«نعم» جوابا لسؤال سائل، ولا أرى حاجة لذلك؛ لأن لفظ «نعم» ليس من صيغ العموم، والكلام ليس في عموم كل جواب وخصوصه، وإنما الكلام في الجواب العام بالوضع هل يقصر على سببه؟
والأولى أن يقال في تحرير محل النزاع: إن العلماء اتفقوا على دخول صورة السبب في الحكم العام الوارد على سبب خاص، وما عداها من الصور الداخلة تحت عموم اللفظ إما أن يكون عموم اللفظ لها جزءا من الجواب لا يتم الجواب إلا به، أو يكون اللفظ الذي تناولها لغة زائدا عن الجواب يمكن فهم الجواب بدونه.
ومثال القسمين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: أنتوضأ بماء البحر، فقال:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن، وصححه الحاكم)، فهذا الجواب فيه عمومان:
الأول: واقع في جواب السؤال ولا يتم الجواب بدونه، وهو قوله:«هو الطهور ماؤه» .
والثاني: زائد عن جواب السؤال ولكنه مصاحب له، وهو قوله:«الحل ميتته» ، فهذا العموم الأخير خارج عن محل النزاع؛ لأنه بيان لحكم لم يسأل عنه فهو كالحكم المبتدأ الذي لا يعرف سببه، فيكون عاما لكل ميتات البحر إلا ما قام الدليل على خصوصه.
والأول: وهو ما كان العموم فيه في موضع السؤال ولا يتم الجواب إلا به
هو موضع النزاع.
ومن أمثلته:
أـ
…
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة3]. فهذه الآية نزلت عندما ظاهر أوس بن الصامت من زوجته فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه حالها وحال أولادها، وهو جواب عام في موضع السؤال، وليس زائدا عن الجواب.
ب ـ قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ماء بئر بضاعة ـ: «الماء طهور لا ينجسه شيء» ، وهو جواب عام في موضع السؤال، وليس خارجاً عما يحتاج إليه في الجواب.
ج ـ قوله صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان» (أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن عائشة مرفوعا) حين سئل عمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد فيه عيبا فرده، هل يضمن أجرة استعماله؟ وهو كما سبق جواب عام في موضع السؤال.
فهذا العموم ونحوه اختلف فيه على قولين مشهورين:
القول الأول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهو مذهب جمهور العلماء، وعليه العمل عند أكثر الفقهاء من أتباع المذاهب وغيرهم.
دليله:
1ـ أن الصحابة والتابعين استدلوا بالآيات والأحاديث العامة الواردة على أسباب خاصة في عمومها، ولم يقصروها على أسبابها، وذلك كآيات اللعان والظهار والسرقة والمواريث.
2ـ أن الحكم إنما يؤخذ من نص الشارع، وهو نص عام فيجب حمله على عمومه.
3 -
أن عدول الشارع عن الجواب الخاص إلى العموم دليل على أنه أراد العموم.