الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة: [292]
القتل العمد، هل موجبه القود عينًا، أو أحد الأمرين
؟
التوضيح
إن القتل العمد يوجب القصاص عن القاتل، لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) ثم قال تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)، ثم قال تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .
وقال تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) .
فإذا قتل شخص عمداً، استحق وليه المطالبة بالقصاص، أو بطلب الدية، ولكن هل الواجب الأصلي القود عيناً، أو التخيير بين القود أو الدية؟
فيه روايتان معروفتان عن الإمام أحمد، ويتفرع عليهما ثلاث قواعد في استيفاء القود، والعفو عنه، والصلح عنه، مع الأحكام الفرعية لكل قاعدة.
القاعدة الأولى: في استيفاء القود: يتعين حق المستوفى فيه بغير إشكال، ثم إن
قلنا: الواجب القود عيناً، فلا يكون الاستيفاء تفويتاً للمال، وإن قلنا: أحد
الأمرين، فهل هو تفويت للمال أم لا؟
على وجهين، ويتفرع عليهما مسائل تتعلق
بالقاتل العبد، مما لا حاجة لسردها بعد إلغاء الزنى وزواله من التطبيق.
القاعدة الثانية: في العفو عن القصاص، وله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يقع العفو عنه إلى الدية، وفيه طريقتان:
إحداهما ثبوت الدية على الروايتين.
والثانية: بناؤه على الروايتين.
فإن قلنا: موجبه أحد الشيئين، ثبتت الدية.
وإلا لم يثبت شيء بدون تراضِ منهما.
ويكون القود باقياً بحاله؛ لأنه لم يرضَ بإسقاطه إلا بعوض، ولم يحصل له.
الحالة الثانية: أن يعفو عن القصاص، ولا يذكر مالاً، فإن قلنا: موجبه
القصاص عيناً، فلا شيء له، وإن قلنا: أحد الشيئين، ثبت المال.
الحالة الثالثة: أن يعفو عن القود إلى غير مال مصرحاً بذلك.
فإن قلنا: الواجب القصاص عيناً، فلا مال له في نفس الأمر.
وقوله هذا لغو، وإن قلنا: الواجب أحد
شيئين، سقط القصاص والمال جميعاً.
فإن كان ممن لا تبرع له، كالمفلس والمحجور عليه والمريض فيما زاد عن الثلث والورثة، مع استغراق الديون للتركة، فوجهان، أحدهما: لا يسقط المال بإسقاطهم، وهو المشهور، لأن المال وجب بالعفو عن القصاص، فلا يمكنهم إسقاطه بعد ذلك، كالعفو عن دية الخطأ.
والثاني: يسقط، وهو المنصوص عليه؛ لأن المال لا يتعين بدون اختياره له أو إسقاط القصاص وحده، أما إن أسقطهما في كلام واحد متصل، سقطا جميعاً من غير دخول المال في ملكه، ويكون ذلك اختياراً
منه لترك التملك، فلا يدخل المال في ملكه.
إذا تقرر هذا، فهل يكون العفو تفويتاً للمال؟
إن قلنا: الواجب القود عيناً، لم يكن العفو تفويتاً للمال، فلا يوجب ضماناً، وفي قول: يجب الضمان، وفي قول: على وجهين.
التطبيقات
يتخرج على هذا الأصل مسائل، منها:
1 -
عفو المفلس عن الجناية الموجبة للقود مجاناً، فالمشهور أنا إن قلنا: الواجب القود عيناً، صح، دران قلنا: الواجب أحد الأمرين، لم يصح العفو عن المال، وعلى الوجه الآخر الذي قيل: إنه المنصوص، يصح.
(ابن رجب 3/ 41) .
2 -
عفو الورثة عن القصاص مع استغراق الديون، وحكمه حكم المفلس السابق.
(ابن رجب 3/ 41) .
3 -
عفو المريض عن القصاص، وحكمه فيما زاد عن الثلث كذلك.
(ابن رجب 3/ 41) .
4 -
العفو عن الوارث الجاني في مرض الموت عن دم العمد، إن قلنا: الواجب القود عياً، فهو صحيح، دران قلنا: الواجب أحد شيئين؛ فكذلك، ويتوجه فيه وجه آخر بوقوفه على إجازة الورثة.
(ابن رجب 3/ 42) .
تنبيه أول
لو أطلق العفو عن الجاني عمداً، فهل يتنزل على القود والدية، أو على القود وحده؛ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها، وهو المنصوص، أنه ينصرف إليهما جميعاً.
والثاني: ينصرف إلى القود وحده، إلا أن يقر العافي بإرادة الدية مع القود.
والثالث: يكون عفواً عنهما، إلا أن يقول: لم أرد الدية، فيحلف ويقبل منه، وفي قول: إن قلنا: الواجب القود وحده، سقط، ولا دية، وإن قلنا: أحد شيئين، انصرف العفو إلى القصاص في أصح الروايتين.
والأخرى: يسقطان جميعاً.
تنبيه ثانٍ.
لو اختار القصاص، فله ذلك، وهل له العفو عنه إلى الدية؟
إن قلنا: القصاص هو الواجب عيناً، فله تركه إلى الدية.
وإن قلنا: الواجب أحد شثين، فعلى وجهين:
أحدهما: نعم، لأن أكثر ما فيه أنه تعين له القصاص.
فيجوز له تركه إلى مال، كما إذا قلنا: هو الواجب عيناً.
والثاني: لا، لأنه أسقط حقه من الدية باختياره.
فلم يكن له الرجوع إليها، كما لو عفا عنها وعن القصاص.
وفارق ما إذا قلنا: هو الواجب عيناً؛ لأن المال لم يسقط بإسقاطه، ويجاب عن هذا بأن الذي أسقطه هو الدية الواجبة بالجناية، والمأخوذ هنا غيره، وهو مأخوذ بطريق المصالحة عن القصاص.
القاعدة الثالثة: الصلح عن موجب الجناية، فإن قلنا: هو القود وحده، فله
الصلح عنه بمقدار الدية، وبأقل، وأكثر منها، إذ الدية غير وإجبة بالجناية، وكذلك إذا اختار القود أولاً، ثم رجع إلى المال، وقلنا له ذلك، فان الدية سقط وجوبها.
وإن قلنا أحد شئين، فهل يكون الصلح عنها صلحاً عن القول أو المال؛ على وجهين.
التطبيقات
1 -
هل يصح الصلح على كثر من الدية من جنسها، أم لا؟
في قول: لا يصح؛ لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة، فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس، ويصح على غير جنس الدية، ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس، من إبل، أو بقر، أو غنم، حذاراً من ربا النسيئة وربا الفضل، وقال الأكثرون: بجواز الصلح
بأكثر من الدية من غير تفصيل، وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، لأن القود ثابت، فالمأخوذ عوض عنه، وليس من جنسه، فجاز من غير تقدير كسائر المعاوضات الجائزة، وأما القود، فقد يقال: إنما يسقط بعد صحة الصلح وثبوته، وأما مجرد المعاوضة في عقد الصلح، فلا توجب سقوطه، فإنه إنما يسقطه بعوض، فلا يسقط بدون ثبوت العوض.
(ابن رجب 3/ 45) .
2 -
لو صالح عن دم العمد بشقص، هل يوخذ بالشفعة أم لا؟
إن قلنا: الواجب القود عيناً، فالشقص مأخوذ بعوض غير مالي، فلا شفعة فيه على أشهر الوجهين.
وإن قلنا: الواجب أحد شيئين، فهو مأخوذ بعوض مالي، إذ هو عوض عن الدية لتعينها باختيار الصلح.
(ابن رجب 3/ 46) .